2024-03-22

شريان آخر يخرج عن الخدمة : تواصل غلق معبر رأس جدير وتطورات سريعة في الجارة ليبيا

أعلنت السلطات التونسية عن تواصل غلق معبر رأس جدير إلى حدود هذه الساعة، في الاتجاهين، وتعطل مصالح المسافرين والتجار ورجال الأعمال من الجانبين، دون مبرر معقول، وفقط نتيجة خلافات داخلية بين جهات متنفذة على المعبر من الجانب الليبي، اختلفت في ما بينها على أتاوة كانت تفرض على المسافرين، وتطور الخلاف الى اشتباك مسلح نتج عنه توقف شريان من أهم شرايين التجارة والاقتصاد بالنسبة لتونس خاصة.

التقارير الواردة من هناك تقول حول تفاصيل هذا الغلق إن الفصيل الليبي (درع زوارة) فرض أتاوة قدرها خمس وأربعون دينارا على كل مسافر من الجانبين، كرد على قرار حكومة تونس فرض أتاوة بثلاثين دينارا في فترة حكم الشاهد، ورغم ان وزير داخلية تونس الحالي قد زار المعبر في الفترة الفارطة، واتفق مع الجانب الليبي على إلغاء هذه الاتاوة إلا أن القائمين على المعبر لم يمتثلوا وواصلوا فرضها على كل العابرين من تونسيين وليبيين، ما أقلق سلطات طرابلس واعتبرته ضربا لمصداقية اتفاقاتها مع الجانب التونسي، فقامت حكومة الدبيبة في طرابلس بإرسال قوة (إنفاذ القانون) التابعة لعماد الطرابلسي وزير الداخلية، والتي تُعتبر نواة للشرطة الرسمية التي تحاول حكومة الدبيبة إنشاءها في مناطق نفوذها، لكن رد جماعة زوارة كان عنيفا، واستقبلوها في المعبر بالرصاص والقذائف الصاروخية، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى، وأحدث أضرارا في المباني والسيارات والممتلكات، وبات الوضع خطرا على المسافرين، واستوجب غلق البوابة الحدودية.

وزارة الداخلية الليبية كانت قد أعلنت أول أمس الثلاثاء عن إغلاق معبر رأس جدير الحدودي مع تونس مؤكدة ان ذلك جاء بسبب «تهجم مجموعات خارجة عن القانون على المنفذ بغاية اثارة الفوضى وإرباك العمل نتيجة منع التجاوزات التي تحصل».

ونددت الوزارة في بيان صادر عنها نشرته على صفحتها بموقع فايسبوك بهذه الممارسات متوعدة «بعدم السكوت عما قامت به المجموعات الخارجة عن القانون وباتخاذ الإجراءات القانونية وتسليط أقصى العقوبات على الضالعين فيه».

وأوضحت انه تم إصدار التعليمات (إغلاق المعبر) لوضع الترتيبات الأمنية لإعادة المنفذ للعمل من قبل الأجهزة المختصة مشددة على أنها لن تسمح بالفوضى في المنفذ وعلى ضرورة أن يكون تحت سلطة وشرعية الدولة.

التقارير الواردة من العاصمة طرابلس تتحدث بتوجس وريبة عن تطورات تحدث على الأرض، وعن احتقان شعبي تحول الى مظاهرات في مدن مصراطة وبني وليد، وتهديد بالزحف على طرابلس و«تحريرها من الدبيبة وعصابته» كما قال القائد المناطقي المعروف في مصراطة صلاح بادي، الذي ظهر لأول مرة منذ سنوات، يرتدي زيه العسكري ويتحدث إلى جموع غاضبة خرجت إلى الشوارع بعد الإفطار مطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة.

وبناء على هذه التطورات يبدو انه من المفترض أن تأخذ الحكومة التونسية كل تدابير الحيطة والحذر، خاصة وان معبر رأس جدير شريان حياتي بأتم معنى الكلمة لآلاف الأسر التونسية، وهو أيضا متنفس للبضائع والتجارة والعبور وحتى للسياحة والاستشفاء والتقارب العائلي مع الأشقاء في ليبيا، وغلقه بهذه الصفة  وبهذه السرعة ودون سابق إنذار يعد ضربة قاصمة لاقتصاد هو يترنح بطبيعته ولا يحتاج إلى مزيد من الهزات.

ولا شك ان الاستقرار الذي تنعم به ليبيا منذ فترة ليست بالقصيرة، قد خلق نوعا من الاطمئنان وعودة الثقة لكثير من القطاعات وحرّك المبادلات التجارية وسوق العمل، وتوقفه بهذا الشكل المفاجئ، إضافة إلى التطورات الجارية في طرابلس، لا شك سيخلق مزيدا من التعقيدات للجانب التونسي، سواء في المجال الاقتصادي والتجاري، أو في المجال الاجتماعي وما يُـتوقع من عودة العمال أو وصول لاجئين اذا شهدت طرابلس، لا قدر الله، جولة جديدة من العنف.

وعليه فان السلطات في تونس مطالبة بأخذ كل التدابير، وبذل كل الجهود للحيلولة دون تطوّر الأوضاع في طرابلس، والعمل بكل السبل لإعادة فتح المنفذ، شريان الحياة للجنوب التونسي، كما أنها سياسيا ودبلوماسيا، مطالبة بالتحرك لإيجاد الحلول الناجعة والتي تخدم الطرفين الليبي والتونسي على حد سواء في أقرب الآجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هل يعود الرافد الأول اقتصاديا إلى العمل والإنتاج ؟ ملف الفسفاط مايزال معلقا.. والحلول وطنية أو لا تكون

قد يبدو للبعض أن ملف الفسفاط تراجع عن صدارة الاهتمام، أو لم يعد ذا أولوية في الحضور الإعلا…