2024-05-08

هل يعود الرافد الأول اقتصاديا إلى العمل والإنتاج ؟ ملف الفسفاط مايزال معلقا.. والحلول وطنية أو لا تكون

قد يبدو للبعض أن ملف الفسفاط تراجع عن صدارة الاهتمام، أو لم يعد ذا أولوية في الحضور الإعلامي، وقد يذهب البعض حتى الى تفاسير من نوع أن الدولة عجزت عن إيجاد الحلول، أو أن الدولة لا تقدر ماليا على النهوض بمستحقات الإصلاح والترميم لهذا القطاع، فيما يذهب البعض  للحديث عن فقدان تونس للأسواق الخارجية التي كانت تستورد الفسفاط التونسي وأنها اليوم حتى لو عادت للإنتاج بوتيرة عالية فإنها لن تجد أين تبيعه. هذا دون أن نغفل عن المولعين بحياكة المؤامرات والذين عادة ما يكتفون باتهام دولة شقيقة بالمساهمة في ضرب القطاع من أجل أن تستفرد هي بالأسواق العالمية، وغيرها من القراءات التي لا تفي أي واحدة منها بالغرض في مجال تفكيك الملف جيدا، وفهمه، واستيعاب متطلباته، وإيجاد الحلول لإنقاذه.

لكن واقع الحال أن هناك رافدا مهما من روافد الاقتصاد التونسي، لازال شبه معطّل، ولازالت مشاكله متراكمة، ولا زال وضع المنطقة المنجمية كله غامضا، رغم أن بقاءه بهذا الشكل بات يستنزف ميزانية الدولة، وبات عبئا على الاقتصاد المرهق بطبعه.

هذا الملف الذي يتعدد المتداخلون فيه، وتتعدد حوله المقترحات والحلول، بل وتكثر فيه حتى الجهات المستفيدة من الوضع الحالي، والجهات التي من مصلحتها بقاؤه على ما هو عليه، يتطلب أولا وقبل كل شيء، قرارا صارما من الدولة التونسية، من أعلى مؤسستها السيادية، بحل الملف، ووضعه على طاولة البحث دون قيد او شرط، ودون أي خلفية سياسية او جهوية او قبلية أو عروشية، فقط برؤية واحدة ووحيدة هي المصلحة العليا للبلاد.

قرار يعتمد تشريك الجميع دون اقصاء لاي طرف، ويستمع الى الجميع، بالترافق مع قرار قضائي بمحاسبة جميع من تسبب في ايصال القطاع الى هذا الوضع، دون ان تكون لاي أحد حصانة ضد ما تكشف عنه الابحاث، لان وضعا بمثل هكذا صعوبات لا بد وان المتسببين فيه كُثر، والذين يقفون وراءهم كُثر ايضا.

وهو قرار يجب ان ينصب على هدف وحيد، هو عودة انتاج الفسفاط الى مستوياته السابقة، والترفيع فيها ان لزم الامر، وهذا الهدف يجب أن يكون ذا أولوية قصوى على كل ما سواه من الملفات، حتى وان كانت مهمة بدورها، لان تشابك الاهداف في نفس الوقت سيطيل البحث ولن يوصل الى حلّ، بل فقط الى اعادة النظر فيما نظروا فيه مسبقا، وضياع وقت وجهد ومال، لا يعتقد عاقل ان الدولة في غنى عنها.

بعض المؤشرات تبدو جيدة في هذا المنحى، وان كانت وحدها لا تكفي، لكنها على الاقل تذكّر بان الدولة ليست غافلة عن هذا القطاع، وانها لن تتركه على الحال التي هو عليها منذ سنوات، خاصة الاهتمام الحكومي الاخير بمشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع بالمظيلة،  الذي تقول الحكومة أنه جاء “لتجاوز الإشكاليات والصعوبات والعمل على الانطلاق الفعلي والتام لهذا المشروع الاستراتيجي في أقرب الآجال”.

وهو ما أكده رئيس الحكومة خلال الاجتماع الخامس للجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية، حيث أبدى حرصا على “ضرورة مواصلة التفاوض مع الجهات المكلفة بتنفيذ مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة  لتدارك التّأخير الحاصل منذ سنوات والاستعداد للانطلاق الفعلي في انجاز الأقساط المتبقية.”

مضيفا “ان من شان ذلك ان يُعطي دفعا بارزا للاقتصاد التونسي، عبر الرّفع من قيمة الصادرات في القطاع، الى جانب خلق العديد من مواطن الشّغل بصفة مباشرة وغير مباشرة، وفق ما نقله بلاغ لرئاسة الحكومة، الثلاثاء.”

هذا الحرص الحكومي، بقدر ما يؤكد على الجدية في التعاطي مع الموضوع بقدر ما هو غير كاف لحلحلته نهائيا، لانه بلغ من التعقيد والصعوبة أن أصبح غير قابل للحل عن طريق قرارات حكومية ادارية وزارية لا تكفي وحدها، بل يتطلب قرارا سياديا من أعلى هرم السلطة، تتجند له كل أجهزة الدولة واداراتها ومؤسساتها، ويقع فيه تسخير كل الامكانيات، وتجنيد كل الطاقات، حتى يعود الفسفاط رافدا اساسيا من روافد الاقتصاد الوطني، وداعما حقيقيا للخزينة التونسية، لا عبئا عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…