تتحرك السلطات التونسية ـ اليوم ـ على كل الواجهات وقد مرّت الى السرعة القصوى من أجل وضع حد للتدفق غير الطبيعي لافارقة جنوب الصحراء وتوافدهم المريب على البلاد التونسية وقد تحوّل الى هاجس من هواجس السلطات الأمنية والسياسية بل هاجسا مجتمعيا لما يمثلونه من خطورة على الامن القومي وعلى سلامة المواطنين التونسيين وخاصة بعد الاعتداءات الاخيرة على مواطني معتمديتي العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس..
القرار السياسي حسم أمره في ما يخص ملف افارقة جنوب الصحراء فلا مجال لتوطينهم على الاراضي التونسية ولا مجال أيضا لأن تتحول تونس الى أرض عبور في اتجاه الشمال.. وبالتالي فان الحلّ الأقرب للعقل وللموضوعية انما يكمن في ترحيلهم بالتي هي أحسن في إطار الاحترام التام للمواثيق والقوانين الدولية وهذه عملية مكلفة في الواقع تستدعي شركاء من دول الجوار مع تدخل لوجستي ضروري من الشريك الاوروبي لتنفيذ «عملية ترحيل سلمية» ويبدو ان تونس لم تتلق ـ الى الآن ـ غير النوايا الطيبة من شركائها مقابل تمدّد طابور الوافدين من افارقة جنوب الصحراء وتسربهم المريب عبر الحدود الليبية والجزائرية وهي «المسارب» الوحيدة المفتوحة على التراب التونسي بما انه ليس لدينا حدود مباشرة مع بلدان جنوب الصحراء وهنا نضع نقاط استفهام كبرى امام «عبورهم الآمن» واليومي تقريبا وقد اصبحت لدينا قناعة بأنه عبور منظم ومموّل يخفي استهدافا خطيرا وممنهجا للتراب التونسي وهناك عديد المعطيات التي تؤكد ذلك على ارض الواقع وقد تكفلت السلطات الامنية بكل ما خفي من هذا الملف وهو «ملف أمن قومي» بأتم معنى الكلمة..
وفي هذا السياق ولما يكتسيه ملف افارقة جنوب الصحراء من خطورة فانّه يصنّف ـ موضوعيا ـ على أنه «ملف دولة» اي ان الدولة التونسية هي الوحيدة المؤهلة للتعاطي مع الملف وهي الوحيدة التي تقرر أشكال التعاطي مع الوافدين من افارقة جنوب الصحراء وهي التي تختار شركاءها الاقليميين والدوليين سواء كانوا منظمات او دولا وهي التي تختار ايضا شركاء الداخل من الجمعيات والمنظمات الوطنية المؤهلة للتدخل وخاصة على المستوى اللوجستي وما نعلمه ان الجمعية الوحيدة المكلفة من طرف الدولة التونسية هي جمعية الهلال الاحمر التونسي وفي حدود اختصاصها اللوجستي بالتنسيق مع السلطات الامنية والسياسية ولا يمكن لأيّ كان من منظمات او جمعيات ومهما كان ثقلها الوطني او الاقليمي او الدولي ان تتحرك من تلقاء نفسها تحت اي عنوان من العناوين الانسانية خاصة وان الدولة التونسية قد حددت بل هي حسمت أمرها ووضعت عنوانا كبيرا لملف افارقة جنوب الصحراء «فلا سبيل لتوطينهم ولا سبيل أيضا لتحويل تونس الى أرض عبور» وهو الخيار الذي من المفترض أن لا يتم اختراقه أو تجاوزه باعتباره «خيار دولة».. لكن يبدو أنّ بعض المنظمات المنتصبة بتونس والتي تتخفى وراء يافطات دولية وتعتقد بأنّ في ذلك حصانة لها لم تتردّد في الذهاب عكس خيارات الدولة التونسية في اختراق مريب لسياساتها وفي تعاطيها مع موضوع الهجرة وملف اللاجئين حيث تفاجأنا كما تفاجأ عدد كبير من التونسيين أول أمس «بطلب عروض» تقدم به «المجلس التونسي للاجئين» يطلب فيه من النزل التونسية تقديم عرض فنّي ومالي لتقديم خدمات السكن لإيواء اللاجئين وطالبي اللجوء وذلك بداية من 15 ـ 5 ـ 2024 الى 31 12 ـ 2024 مع امكانية التمديد لسنة 2025.
هذا تقريبا ما ورد في «طلب العروض» المنشور على صفحة المجلس الوطني للاجئين تناقلته أول أمس كل وسائل الاعلام الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي وقد أثار جدلا كبيرا وأسئلة حول طبيعة نشاط هذه المنظمة وأهدافها وخاصة مصادر تمويلها وهي كما يبدو تمويلات ضخمة جدّا و«طلب العروض» يؤكد الحجم المهول لهذه التمويلات التي سترصد لتغطية تكاليف الايواء بالنزل التونسية لمئات أو آلاف اللاجئين.
والمجلس التونسي للاجئين هو في الواقع جمعية تأسست عام 2016 أسسها موظف سام متقاعد شغل منصب مدير إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وجنوب ووسط آسيا التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقد أسس جمعية المجلس التونسي للاجئين سنة تقاعده أي في 2016 ويتلقى المجلس دعما كبيرا وسخيا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتنفيذ «مشاريع انسانية» في تونس في علاقة باللاجئين ولدينا أرقام تمويل مهولة حصل عليها المجلس وخاصة سنة 2019 بعد إبرامه اتفاقية مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتاريخ 26 ديسمبر 2018 لتنفيذ أحد مشاريعه لحماية اللاجئين وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول طبيعة هذا المجلس وتمويلاته الضخمة ومصادرها وكيفية التصرف فيها… وهل أنّ له «حصانة» تمنع عنه كل مساءلة أو رقابة على مشاريعه وهل أنّ تعاونه مع «المفوضية السامية» يرفع عنه كل الشبهات في علاقة بالمال والأعمال…
ويبقى السؤال الأهمّ بالنسبة إلينا هو، هل نسّق «المجلس التونسي للاجئين» مع السلطات التونسية قبل أن يطرح عرضه على النزل التونسية لإيواء اللاجئين؟… ثمّ من هم اللاجئون المستهدفون؟ وكيف تتم عملية الفرز… خاصة وأنّ أغلبهم بلا هويات…؟ ألا تعتبر عملية الإيواء في حدّ ذاتها شكلا من أشكال «التوطين»…؟ بل هو ـ بالفعل ـ توطين مقنّن وتحت غطاء «أممي»…!
ألا يعتبر هذا العمل خرقا وتجاوزا للقرار السيادي الوطني…؟ مع العلم أنّه لا أحد كلّف هذا المجلس للتدخل في ملف الهجرة أو اللجوء خاصة في هذا «التوقيت القاتل» الذي امتدت فيه حركات الهجرة واللجوء العشوائي على كامل تراب الجمهورية وتكاد طوابير الوافدين من أفارقة جنوب الصحراء أن تبدّل لون الأرض…
ما بين «طوفان الأقصى» و «سقوط» نظام الأسد : إفراغ المنطقة من عناصر قوّتها كان مدروسا وممنهجا..!
بعيدا عن كل أشكال الاصطفاف الاعمى مع أو ضد بشار، علينا ان ننظر الى السقوط السريع والمفاجئ …