ما يزال ملف الصلح الجزائي محل متابعة رئاسية لصيقة خاصة بعد إعادة التطرق إلى الملف في اجتماع مجلس الأمن القومي الأخير وهو ملف يعود إلى أولى اهتمامات رئيس الجمهورية منذ سنة 2012 حيث نادى كأستاذ قانون دستوري بضرورة سنّ قانون يعنى باسترداد الأموال المنهوبة  والمستولى عليها وإعادة ضخها في الاقتصاد والتنمية الوطنية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد التقى أول أمس بمشكاة سلامة رئيسة اللجنة الوطنية للصلح الجزائي للاطلاع على سير عمل اللجنة التي تم تشكيلها مجددا في مارس 2024 حتى تكون أكثر نجاعة في تعقب ملفات الصلح في ظل «تقاعس» اللجنة السابقة في بلوغ الهدف الذي وضعه رئيس الجمهورية في استعادة ما لا يقل عن 13 مليار دينار.

وقد اطّلع رئيس الجمهورية على عدد من الملفات التي تبرز حجم الفساد الذي نخر الدولة ومقدرات الشعب التونسي منذ بداية السنوات التسعين من القرن الماضي والشبكات التي تشكلت في تونس وخارجها وتم التعتيم عليها بعد الثورة وتبييضها للانخراط فيها من قبل من ادّعوا زورا أنهم قدموا لمحاربة الفساد فزاد الفساد معهم استفحالا وابتز المفسدون الجدد المفسدين الذين أفسدوا من قبلهم ووجد كل طرف منهم ضالته في الطرف الآخر وذلك حسب ما ذكره بلاغ رئاسة الجمهورية.

وتتولى اللجنة الوطنية للصلح الجزائي التابعة لرئاسة الجمهورية البت في الملفات المعروضة، وإحالة ملف الصلح في ظرف 48 ساعة من تاريخ إمضاء محضر الجلسة ويفضي الصلح الجزائي حسب المرسوم الرئاسي المنقّح في جانفي الفارط والصادر في 20مارس 2022 إلى توحيد مسار استرجاع الأموال المنهوبة من الدولة والجماعات المحلية والمنشآت والهيئات العمومية بقصد إعادة توظيفها في التنمية الوطنية والجهويةوالمحليةوتحقيق المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي.

وكان رئيس الجمهورية قد تعهد في أكثر من مناسبة أنه سيتم تخصيص جزء من عائدات الأموال التي ستجمعها الدولة من الصلح الجزائي لدعم الشركات الأهلية، علمًا وأنه يعوّل على تجميع عائدات مالية من مسار الصلح حدّد لها سقف 13.5 مليار دينار داعيا أعضاء اللجنة إلى مزيد الانخراط في هذا المجهود الوطني وتحمل مسؤولياتهم كاملة تجاه الشعب وخاصة الجهات التي تحتاج إلى تمويلات تنموية هامة.

وحسب آخر الإحصائيات فقد بلغت مداخيل الصلح الجزائي 26.9 مليون دينار (8.69 مليون دولار)، وشملت 14 متصالحا فقط وقد تراوحت المبالغ بين 11 مليون دينار (3.55 مليون دولار) وبضعة آلاف من الدنانير ولا يشمل الصلح الجزائي رجال الأعمال المتورّطين في الاستيلاء على أموال عمومية وإنما الصلح سيشمل الأشخاص المتورطين في تبييض الأموال والاستيلاء على المال العام.

ويرى بعض المتابعين أن الصلح الجزائي الذي أعدّه الرئيس سعيد هو فرصة لرجال الأعمال للمصالحة مع الدولة، لأن العملية ستشرف عليها السلطة ودون تدخل أي طرف كما سيترتب على إبرام الصلح النهائي انقضاء الدعوة العمومية وإيقاف التتبع أو المحاكمة أو إسقاط العقوبة.

وأكد رئيس الجمهورية خلال لقائه رئيسة لجنة الصلح الجزائي مجددا على أن المحاسبة مطلب شعبي وعلى أن المفسدين الذين يتخفون اليوم ولهم أذرع في كل القطاعات لن يفلتوا من الجزاء فليس أمامهم إما إعادة الأموال التي اختلسوها وليواصلوا بعد ذلك أعمالهم بعيدا عن كل تشفّ أو ابتزاز وإما القضاء الذي يتساوى أمامه الجميع. فلا ثروة ولا عمالة ولا أبواق مأجورة يمكن أن تبيّض أعمالهم أو أموالهم وتقيهم من المحاسبة والجزاء اليوم أو غدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بعد سلسلة من المباحثات بين السلطات التونسية والسلطات الليبية : الاتفاق على إعادة فتح معبر رأس الجدير… وعودة الانتعاشة لولايات الجنوب

أثّر إغلاق معبر رأس الجدير على نسق الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ولايات الجنوب التونسي …