2024-04-17

اجتماعات متتالية اختتمت باجتماع مجلس الامن القومي : من أجل وضع حدّ «للإنفلات الإجرامي»..!

بدت كلمات رئيس الجمهورية في مفتتح اجتماع مجلس الامن القومي، شديدة وواضحة وذات نسق مرتفع، يوحي بان هناك أمورا تجري في الخفاء قد لا يعلمها الرأي العام، لكنها بالفعل باتت تشكل تهديدا جديا للاستقرار الاجتماعي في تونس.

واجتماع مجلس الامن القومي، الذي لم يحضره وزير الداخلية كمال الفقي، جاء عقب لقاءات عديدة أجراها رئيس الجمهورية خلال الاسبوع الفارط مع وزير الداخلية ومدير عام الامن الوطني وآمر الحرس الوطني، وركزت كلها على ضرورة النجاعة الامنية في مواجهة موجة العنف التي تجتاح البلاد، وحالات الانفلات التي باتت ظاهرة مخيفة في بعض المناطق، خاصة بعد «المعركة» العنيفة التي اندلعت بين منحرفين من حي التضامن وحي المنيهلة المجاورة، والتي استخدمت فيها كل انواع الاسلحة البيضاء والمقذوفات والالات الصلبة واستمرت لساعات، كذلك جريمة ضاحية المرسى التي تكالب فيها أكثر من عشرة منحرفين على طفل في الرابعة عشر من عمره، وقتلوه من أجل سلبه هاتفه الجوّال.

اضافة الى ذلك يبدو أن رئيس الجمهورية تصله تقارير دقيقة عن حالة الفوضى والعنف التي بلغت ذروتها في العشر الاواخر من شهر رمضان الكريم وفي عطلة العيد، وما يمكن اعتباره غيابا أمنيا خصوصا في الشوارع التجارية ووسط المدن خلال خروج العائلات للتبضع وشراء الهدايا والملابس، وما يتعرض له الكثيرون من عمليات سطو وسلب وعنف، بدت وكأنها منسقة ومبرمجة وموجهة، ويتحرك مقترفوها وفق نسق عُصابي منظم.

النسق المرتفع للخطاب السياسي، سواء في اجتماع مجلس الامن القومي او حتى في الاجتماعات التي سبقته مع القيادات الامنية، بدا واضحا وصريحا، في تركيزه على ان هناك خللا ما جعل هذه الظواهر تطغى على أحاديث الشارع التونسي، ومكّن هذه المجاميع الاجرامية من فرض حالة رعب وهلع على السكان، وهو أمر غير منطقي ولا يمكن ان تقبله دولة في حالة استقرار وآمنة كثيرا مقارنة بجيرانها وبدول أخرى عديدة في المنطقة والعالم، بل وكان أمنها يُعتبر مثالا للنجاعة والحرفية وسرعة الحركة والتدخل، لكثير من العقود، فما الذي حدث حتى تظهر هذه الفقاقيع الاجرامية من جديد، وتفرض نفسها على الحياة الاجتماعية، بل وتتحول الى هاجس رئيسي في الحياة السياسية والمشهد العام؟

بعض المدونين المحسوبين على رئيس الجمهورية، خاصة من الذين ينشرون باستمرار فيديوهات من الخارج، والذين لا ينكر أحد ان لهم علاقة معينة ومتطورة بصناعة القرار في تونس، خاصة في مجال التسميات والتعيينات والاعفاءات والعزل، يتحدثون عن فراغات أمنية خاصة في خطط بعض المدراء العامين لاجهزة حساسة في وزارة الداخلية، ويشن بعضهم هجمات على وزير الداخلية كمال الفقي، المتواجد حاليا في النمسا للتباحث مع وزير داخليتها حول البرامج الكفيلة بمعالجة موضوع الهجرة.

كابوس آخر القى بظلاله نهاية الاسبوع على المسألة الامنية، وهو الاشتباكات العنيفة التي دارت بين القوات الامنية ومجاميع من المهاجرين الافارقة غير الشرعيين المتمركزين عشوائيا في منطقة حقول وبساتين مدينة العامرة بضواحي صفاقس، والذين يبدو حسب المصادر الرسمية انهم زادوا من تعدياتهم وتجاوزاتهم على المتساكنين واصحاب الاراضي التي يقيمون عليها، واصبحوا يتعمدون خلق المشاكل مع محيطهم ما أجبر القوى الامنية على التدخل أخيرا رغم تحليها بكثير من ضبط النفس سابقا.

هذا الكم الكبير من الاحداث الامنية الصادمة، سواء في العامرة او حي التضامن والمنيهلة والمرسى ووسط العاصمة، والتعديات اليومية على مواطنين آمنين وتكاثر عمليات السلب والسطو جعل الدولة تتوجّس على ما يبدو من ان يكون الامر مدبّرا ومنسقا، وهذا كان واضحا في حديث رئيس الدولة أمام مجلس الامن القومي، حيث لم يتردد في التنبيه من ان تكون هناك أطراف تسعى عن طريق رفع منسوب الجريمة والعنف الى ضرب استقرار البلاد وتعكير أمنها العام وخلق حالة انفلات أمني كبير يفقد المواطن ثقته في أجهزة الدولة، ويخلق فراغات قد تؤدي الى تنفيذ غايات أخرى.

ويبدو في الخطاب الرسمي للدولة وفي الاجتماعات المتكررة للقيادات الامنية والفاعلين في الشأن العام، ان هناك خشية حقيقية من حدوث انفلاتات كبيرة قد تكون الاحداث السابقة مجرد تمهيد لها وتشتيتا للتركيز الامني، وفتحا للثغرات في الاجسام الصلبة المنوط بها حماية أمن الوطن والمواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

حتى لا يبقى رهين التحولات المناخية: قطاع الأعلاف معضلة لا بد لها من حلول جذرية

أعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، عن اتخاذ اجراءات تهم قطاع الأعلاف منها «التخفيض في أس…