2023-11-16

عن العقوبات التأديبية بالمؤسسات التربوية وضرورة مراجعتها ما أكثر حالات الانقطاع المدرسي التي بدأت بإقصاء عن ساعة درس..!

لاشكّ‭  ‬أنّ‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬،‭ ‬تشكو‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬بلغ‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬حدّ‭ ‬الاعتباط،‭ ‬ومن‭ ‬طغيان‭ ‬المزاجيّة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الضيّقة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قيامها‭ ‬على‭ ‬المعطيات‭ ‬الدّقيقة‭ ‬والمعايير‭ ‬الواضحة،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬تامّ‭ ‬لمقاربة‭ ‬منظوميّة‭ ‬حقيقيّة‭ ‬للشّأن‭ ‬التّربوي‭ ‬ونأمل‭ ‬بأن‭ ‬تختفي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهنات‭ ‬مع‭ ‬الإصلاح‭ ‬التربوي‭ ‬المنتظر‭…‬

‭ ‬لن‭ ‬نقتصر‭ ‬اليوم‭  ‬في‭ ‬تناولنا‭ ‬لملفّ‭ ‬المؤسّسات‭ ‬التّربويّة‭  ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب،‭ ‬رغم‭ ‬أهمّيّتها،‭ ‬ولكننا‭ ‬سنتطرق‭ ‬لجانب‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يمثّله‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬بالغة‭ ‬،‭ ‬سنتحدث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬العقوباب‭ ‬التأديبية‭ ‬بأنواعها‭  ‬الموجهة‭  ‬للتلاميذ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المربّي‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬العقاب‭ ‬يكون‭ ‬لردع‭ ‬التلميذ‭ ‬ودفعه‭ ‬للانضباط‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬المؤسسات‭ ‬التربوية‭  ‬تعرف‭ ‬أزمة‭ ‬أخلاق‭ ‬حقيقية‭  ‬وغياب‭ ‬الانضباط‭  ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬شقّ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬بمثابة‭ ‬العدوى‭ ‬أمام‭ ‬عجز‭ ‬المدرسة‭ ‬عن‭ ‬تأطير‭ ‬أبنائها‭ ‬وتعزيز‭ ‬مناعتهم‭ ‬ضدّ‭ ‬الأخطار‭ ‬الوافدة‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الشّارع،‭ ‬وتجاسر‭ ‬المنحرفين‭ ‬عليها‭ .‬ناهيك‭  ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭  ‬التّلاميذ‭ ‬يقضّون‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬يومهم،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يومهم‭ ‬كلّه،‭ ‬في‭ ‬الشّارع‭ ‬ليصيروا‭ ‬عرضة‭ ‬لكلّ‭ ‬الأخطار‭ …‬

يحظى‭ ‬النظام‭ ‬التأديبي‭  ‬اليوم‭ ‬بالاهتمام‭  ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬المدرسة‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬العنف،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬السلطة‭ ‬والعقوبة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬مراجعتها‭ ‬،‭ ‬ودراسة‭   ‬جدواهما،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬المؤسَّسة‭ ‬التربوية‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬السلوك‭ ‬المحفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬وبذلك‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬العقوبات‭ ‬التأديبية‭ ‬الموجهة‭ ‬للتلاميذ‭ ‬بالفصل،‭ ‬كالإقصاء‭  ‬من‭ ‬الفصل‭  ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ …‬

في‭ ‬هكذا‭ ‬عقوبة‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬أوّلا‭ ‬من‭ ‬التّساؤل‭: ‬أين‭ ‬سيقضي‭ ‬التلميذ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬؟‭ ‬من‭ ‬سيتكفل‭ ‬بتمكينه‭ ‬من‭ ‬بطاقة‭ ‬دخول‭ ‬لحصة‭ ‬الدرس‭ ‬الموالية‭ ‬؟‭ ‬إذا‭ ‬تعذر‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬الحضور‭ ‬بسبب‭ ‬الشغل‭ ‬أو‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى؟‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يوم‭ ‬تعليم‭ ‬قد‭ ‬ضاع‭ ‬من‭ ‬التلميذ‭ ‬زائد‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬التلميذ‭ ‬يقضيه‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬معرضا‭ ‬لكل‭ ‬أنواع‭ ‬المخاطر‭ ‬المعلومة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬،يوم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬التلميذ‭ ‬قد‭ ‬يغيّر‭ ‬مجرى‭ ‬حياته‭ ‬ويقلب‭ ‬موازينها؟‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للنظام‭ ‬التأديبي‭ ‬دلالة،‭ ‬هل‭ ‬يحتوي‭ ‬القانون‭ ‬التأديبي‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬الحماية‭ ‬اللاّزمة‭ ‬للتلميذ‭  ‬؟‭ ‬هل‭ ‬تراعي‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسيّة‭ ‬وأساسا‭ ‬المدرسة‭ ‬الإعداديّة‭ ‬حاجيات‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬المراهقة؟‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬تمثل‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الأساسي‭ ‬والتي‭ ‬يرتفع‭ ‬في‭ ‬صفوفها‭ ‬عدد‭ ‬المنقطعين‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬تأخذ‭ ‬المدرسة‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬حاجيات‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬باعتبارها‭ ‬تعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬مفصلية‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التأطير‭ ‬والإشراف‭ ‬والاهتمام؟

  ‬إنّ‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متعلّقا‭ ‬بالعقوبات‭ ‬وحدها‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متعلّقا‭ ‬بدرجة‭ ‬العقوبة‭ ‬بل‭ ‬يتخطاها‭ ‬إلى‭ ‬عواقب‭ ‬العقوبات‭ ‬المسلطة‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬لقاعات‭ ‬مراجعة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سابقا‭ ‬والتي‭  ‬غابت‭ ‬في‭ ‬اغلب‭  ‬المؤسّسات‭ ‬التّربويّة‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ونقصد‭ ‬بها‭ ‬خاصّة‭ ‬فضاءات‭ ‬المراجعة‭ ‬والعمل‭ ‬الجماعيّ‭ ‬ونظام‭ ‬نصف‭ ‬الإقامة‭…‬

يقول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬سليم‭ ‬قاسم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬لجودة‭ ‬التعليم‭ ‬لعلّنا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬مسألة‭ ‬الإقصاء‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬الدّرس‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬أعمّ‭ ‬يشمل‭ ‬النّظام‭ ‬التّأديبي‭ ‬والحياة‭ ‬المدرسيّة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإدارة‭ ‬الفصل‭ ‬والبرامج‭ ‬التّعليميّة‭ ‬وطرق‭ ‬التّدريس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬هذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬بالصورة‭ ‬الذّهنيّة‭ ‬للمدرسة‭ ‬لدى‭ ‬ناشئتنا‭ ‬اليوم‭. ‬فالأصل‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬الإقصاء‭ ‬إجراء‭ ‬استثنائيّ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬المدرّس‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬قصوى‭ ‬حين‭ ‬يصير‭ ‬وجود‭ ‬التّلميذ‭ ‬داخل‭ ‬الفصل‭ ‬عائقا‭ ‬حقيقيّا‭ ‬أمام‭ ‬السّير‭ ‬الطّبيعيّ‭ ‬للدّرس،‭ ‬غير‭ ‬أنّنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬تطبيعا‭ ‬متزايدا‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء،‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬الآليّة‭ ‬الأولى‭ ‬وأحيانا‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يتمّ‭ ‬اللّجوء‭ ‬إليها‭ ‬لأسباب‭ ‬متعدّدة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬التّشويش‭ ‬المتواصل‭ ‬وبين‭ ‬عدم‭ ‬جلب‭ ‬الكّرّاس‭ ‬أو‭ ‬الكتاب‭ ‬المدرسيّ‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬القيام‭ ‬بالواجبات‭ ‬المنزليّة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭.‬

ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّ‭ ‬للإفراط‭ ‬في‭ ‬اللّجوء‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬التّلميذ‭ ‬من‭ ‬ساعات‭ ‬الدّرس‭ ‬آثاره‭ ‬السّلبيّة‭ ‬على‭ ‬تحصيله‭ ‬وعلى‭ ‬شخصيّته‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالمؤسّسة‭ ‬التّعليميّة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إمكانيّة‭ ‬أن‭ ‬يعرّضه‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬إلى‭ ‬مخاطر‭ ‬أخرى،‭ ‬أوّلها‭ ‬بقاؤه‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬المدرسة‭ ‬الإعداديّة‭ ‬أو‭ ‬المعهد‭ ‬الثّانويّ‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بطاقة‭ ‬الدّخول،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يرتبط‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬بجلب‭ ‬الوليّ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتيسّر‭ ‬إلاّ‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭.. ‬وبذلك‭ ‬يتحوّل‭ ‬الإقصاء‭ ‬بساعة‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬بيوم،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬النّادر‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬الإقصاء‭ ‬بيوم‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬بأيّام،‭ ‬خاصّة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخفى‭ ‬التّلميذ‭ ‬الأمر‭ ‬عن‭ ‬عائلته‭ ‬خوفا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬مبالاة،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعذّر‭ ‬حضور‭ ‬الوليّ‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬فنكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬وضعنا‭ ‬التّلميذ‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الانقطاع‭ ‬المدرسيّ،‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬حالات‭ ‬الانقطاع‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بإقصاء‭ ‬عن‭ ‬ساعة‭ ‬درس‭.‬

يبقى‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬الضّروريّ‭ ‬على‭ ‬تعبير‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬جودة‭ ‬التعليم‭ ‬التّنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بهذا‭ ‬الشّكل‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬متسرّع‭ ‬يحمّل‭ ‬المسؤوليّة‭ ‬للمدرّس‭ ‬أو‭ ‬للإدارة،‭ ‬فالمسألة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وأشمل،‭ ‬لأنّها‭ ‬تتعلّق‭ ‬بعديد‭ ‬العوامل‭ ‬المتضافرة،‭ ‬منها‭ ‬أنّ‭ ‬تلميذنا‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬عايش‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬مساره‭ ‬التّعليميّ‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مؤسّساتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬إثر‭ ‬أحداث‭ ‬2011،‭ ‬كما‭ ‬عاصر‭ ‬الإضرابات‭ ‬العشوائيّة‭ ‬المفتوحة‭ ‬وإغلاق‭ ‬المدارس‭ ‬لفترات‭ ‬مطوّلة‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬الكورونا‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬أيّ‭ ‬إجراءات‭ ‬مصاحبة‭ ‬أو‭ ‬لاحقة‭ ‬للحدّ‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬ذلك،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الغياب‭ ‬شبه‭ ‬التّامّ‭ ‬لأيّ‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬النّشاط‭ ‬الثّقافيّ‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوفّر‭ ‬مجالا‭ ‬لاستيعاب‭ ‬طاقات‭ ‬هذا‭ ‬التّلميذ‭ ‬وصقل‭ ‬ملكاته‭ ‬وبناء‭ ‬رؤاه‭.. ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬جعله‭ ‬يقبع‭ ‬في‭ ‬ذيل‭ ‬التّرتيب‭ ‬العالميّ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬السّلوك‭ ‬المنضبط،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يمثّله‭ ‬الانضباط‭ ‬من‭ ‬شرط‭ ‬أساسيّ‭ ‬لقيام‭ ‬حياة‭ ‬مدرسيّة‭ ‬بنّاءة‭ ‬ومسار‭ ‬تعليميّ‭ ‬تعلّميّ‭ ‬فعّال‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تمثّل‭ ‬البرامج‭ ‬التّعليميّة‭ ‬المكثّفة‭ ‬والمتقادمة،‭ ‬والطّرق‭ ‬البيداغوجيّة‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭ ‬عنصرين‭ ‬يساهمان‭ ‬في‭ ‬فتور‭ ‬علاقة‭ ‬المتعلّم‭ ‬بمؤسّسته‭ ‬التّربويّة‭ ‬وبمدرّسه،‭ ‬ويزداد‭ ‬الأمر‭ ‬حرجا‭ ‬بعدم‭ ‬إيلاء‭ ‬برامج‭ ‬التّكوين‭ ‬الأساسيّ‭ ‬والمستمر‭ ‬لهذا‭ ‬المدرّس‭ ‬العناية‭ ‬اللاّزمة‭ ‬لكفاءات‭ ‬إدارة‭ ‬الفصل‭ ‬والتّعامل‭ ‬مع‭ ‬الوضعيّات‭ ‬الصّعبة‭ ‬وتفهّم‭ ‬الخصوصيّات‭ ‬النّفسيّة‭ ‬والذّهنيّة‭ ‬للتّلميذ‭ ‬وكيفيّة‭ ‬التّعامل‭ ‬معها‭.‬

إنّ‭ ‬تفاقم‭ ‬ظاهرة‭ ‬إقصاء‭ ‬التّلاميذ‭ ‬من‭ ‬الأقسام‭ ‬هي‭ ‬عرَضٌ‭ ‬من‭ ‬الأعراض‭ ‬الكثيرة‭ ‬النّاجمة‭ ‬عمّا‭ ‬تشكوه‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬من‭ ‬صعوبات،على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬سليم‭ ‬قاسم‭  ‬ولا‭ ‬يكمن‭ ‬الحلّ‭ ‬في‭ ‬كتم‭ ‬هذا‭ ‬العرَض‭ ‬أو‭ ‬تحميل‭ ‬مسؤوليّته‭ ‬لهذا‭ ‬الطّرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسبابه‭ ‬الحقيقيّة‭ ‬ومعالجتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتأتّى‭ ‬إلاّ‭ ‬بترميم‭ ‬ما‭ ‬تداعى‭ ‬من‭ ‬الصّورة‭ ‬الذّهنيّة‭ ‬للمدرسة‭ ‬لدى‭ ‬التّلميذ،‭ ‬وبناء‭ ‬برامج‭ ‬وطرق‭ ‬تعليميّة‭ ‬ملائمة،‭ ‬وحياة‭ ‬مدرسيّة‭ ‬جاذبة،‭ ‬ونظام‭ ‬تأديبيّ‭ ‬ناجع‭ ‬وفعّال،‭ ‬ومرافقة‭ ‬التّلاميذ‭ ‬لاكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬إدارة‭ ‬الذّات‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬الهامشيّة‭ ‬إلى‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤوليّة،‭ ‬مع‭ ‬إشراك‭ ‬الأولياء‭ ‬في‭ ‬تأطير‭ ‬أبنائهم‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬الكفاءات‭ ‬اللاّزمة‭ ‬لذلك‭ ‬وتطويرها،‭ ‬لأنّ‭ ‬نواتج‭ ‬التّعلم‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬المعدّلات‭ ‬والشّهادات‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاحه‭ ‬الفرديّ‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاح‭ ‬المجموعة،‭ ‬وقد‭ ‬برهن‭ ‬أبناؤنا‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مناسبة‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الغاية‭ ‬وجدارتهم‭ ‬بمنظومة‭ ‬تربويّة‭ ‬متطوّرة‭ ‬تعدّهم‭ ‬للمستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬إعداد‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تعاقب الاعتداءات على الإطار التربوي وتصاعد وتيرتها واكتساءها صبغة إجرامية : الوهن الذي تعاني منه منظومتنا التربوية بلغ أقصاه

  نحن اليوم إزاء  أحداث خطيرة باتت تشكّل تهديدا جدّيا للمؤسّسات التربوية.. أحداث متكررة يه…