2024-01-12

الأبناء بين المحاضن والمدارس ورياض الأطفال : هل تخلّى الأولياء عن واجبهم التربوي… أم أجبرتهم ضغوط الحياة؟

تعتبر الأسرة الحاضنة الأولى التي تسهم في بناء وتشكيل شخصية الطفل، بل هي نواة المجتمع التي من المفروض ان تعمل على اعداد جيل ناجح وسوي مشبع بالقيم والمبادئ ثم يأتي دور المدرسة في مرحلة اخرى لتساهم بدورها في بناء شخصية الطفل بمده بقيم ومبادئ تتوافق مع ما اكتسبه من اسرته التي تبقى دائما هي الاساس في صقل شخصية الطفل.
لكن الامر اختلف كثيرا اليوم اذ نرى ان فئة هامّة من الأطفال يتوزّع يومهم بين المدارس والمحاضن المدرسيّة ومراكز المراجعة والدّروس الخصوصيّة بحيث صار التقاء الاطفال بالعائلة لا يكون الا خلال تناول وجبة عشاء قد تكون سريعة او خلال اصطحابهم من والى المؤسسات التربوية والمحاضن التي صارت هي المربي الاساسي للطفل.

وتاكيدا لهذا قال سليم قاسم رئيس جمعية جودة التعليم في تصريحه لـ «الصحافة اليوم» نلاحظ تراجعا لدور الأسرة التّربويّ، حيث صار اهتمام الأولياء منصرفا إلى توفير ما يلزم منظوريهم من احتياجات مادّيّة متزايدة».
وأشار قاسم إلى أنه يوجد ضمور في الأنشطة الثّقافيّة والاجتماعيّة والرّياضيّة والتّرفيهيّة الموجّهة إليهم، وأكد محدثنا في ذات السياق أن المجتمع اليوم بات أمام مشهد مختلّ، ليس من شأنه أن يضمن التنشئة المتوازنة السّليمة المنشودة لكلّ طفل. واعتبر أنّ المسارعة بتحميل الأولياء مسؤوليّةَ هذا الاختلال، واتّهامهم بالتّقصير والإهمال والتّخلّي عن دورهم التّربويّ، لا يُعدُّ إجحافا في حقّهم وإنكارا للمجهودات الجبّارة التي يبذلونها فحسب، ولكنّه يمنعنا أيضا من فهم هذه الظّاهرة، والنّفاذ إلى أسبابها، ومعالجتها على النّحو المطلوب.
وقال رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم إنّ للأسرة التّونسيّة تاريخا طويلا ومشرّفا من تقديسِ المعرفةِ والتّشبّثِ بتعليمِ أبنائها. وحين نجدها تحافظ اليوم على هذا الإرث، فإنّ في ذلك ما يدعو إلى التّقدير والإعجاب لا إلى اللّومَ والعتاب، خاصّة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما تعرفه الأوضاعُ الاقتصاديّةُ المحلّيّة والدّوليّة من صعوبات..

وتابع قاسم أنه لعل في هذه الصّعوبات ما يفسّر تشبّث الوليّ التّونسيّ أكثرَ من أيّ وقت مضى بتعليم أبنائه، عسى أن يساعدهم ذلك على ضمان النّجاح المأمول في مستقبل حياتهم الشّخصيّة والمهنيّة:
وأبرز أن التّعليم في بلادنا، رغم كلّ ما طاله على امتداد السّنوات والعقود الأخيرة من هزّات، ورغم كلّ محاولات التّرذيل المقصودة التي كان عُرضة لها، ما يزال يُحظى بثقة التّونسيّين، وما يزال الأولياء يعتبرونه أفضلَ استثمار ينجزونه لفائدة أبنائهم. فهل يمكن أن نلومهم على ذلك أو أن ندعوهم إلى التّخلّي عنه؟

و أكد أن الأسرة التّونسيّة الحديثة أسندت جزءا من مهمّة تربية أبنائها إلى المدرسة، حين كانت هذه المدرسة تعيش أزهى أيّامها.. ولم يكن ذلك أبدا من منطلق التّراخي أو الاستقالة كما يردّد البعض، بل كان من منطلق الثّقة الرّاسخة في أهليّة المؤسّسّة التّربويّة، وفي أنّ القائمين عليها كانوا الأقدر على تأدية الرّسالة على أكمل وجه مشيرا إلى أنه حين أصاب المدرسة التّونسيّة ما أصابها، رأينا الأسرة تتحمّل عنها جزءًا من أعباء العمليّة التّعليميّة، إمّا داخل الفضاء الأسري، إن كانت للأولياء الكفاءة لذلك، أو عبر مكابدتهم للكلفة المجحفة للدّروس الخصوصيّة.. وأضاف «لعلّ الإنصاف يقتضي أن نعترف لهم بهذا الدّور الحاسم الذي مكّن من تجاوز السّنوات العجاف التي عرفتها منظومتنا التّعليميّة بأخفّ الأضرار».

وختم سليم قاسم تدخله بأن اليوم وتونس تتأهّب لبناء إصلاح مصيريّ لنظامنا التّربويّ والتّعليميّ، فإنّها في أمسّ الحاجة إلى إنجاز توزيع دقيق ومحكم للأدوار، على أن يشمل هذا التّوزيع كافّة المعنيّين بالعمليّة التّربويّة في معناها العامّ والشّامل.
وقال إن هذا سيكون عبر ثلاثة محاور رئيسيّة هي إعادة الاعتبار إداريّا وتنظيميّا للمؤسّسة التّعليميّة، باعتبار ذلك شرطا لا محيد عنه لبناء حياة مدرسيّة نشيطة وحقيقيّة، وتبنّي رؤية جديدة وموحّدة للمؤسّسات الشّبابيّة والثّقافيّة وسائر مؤسّسات الرّعاية، تكفل لها دورا رئيسيّا وفاعلا ضمن الخارطة التّربويّة الوطنيّة، أمّا المحور الثّالث، فيتمثّل في إطلاق برنامج هيكليّ متكامل للتّربية الأسريّة، يغطّي مختلف جهات الجمهوريّة، ويهدف إلى إكساب كافّة الأولياء، بقطع النّظر عن انتمائهم الاجتماعيّ، المهارات الرئيسيّة التي يحتاجونها لأداء دورهم التّربويّ بكلّ كفاءة واقتدار.
وقد أعدّت الجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم في هذا الشّأن مبادرة متكاملة (المبادرة المدنيّة للتّربية الأسريّة)، وهي بصدد عرضها على الجهات المعنيّة أملا في أن يكون ذلك إسهاما منها في إعداد أولياء القرن الحادي والعشرين، الذي شارف ربعه الأوّل على الانقضاء، باعتبار ذلك ضرورة حتميّة للنّجاح في إعداد مواطن ما تبقى من هذا القرن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في انتظار القطع مع كل أشكال التشغيل الهش : المــــعــــانــــاة مــــســــتـــمـــرة ..!

يمثل ملف التشغيل تركة ثقيلة للحكومة الحالية ظلت عالقة منذ سنوات ولطالما  مثل نقطة ضغط «سيا…