2023-10-13

تزايدت أعدادهم خلال السنوات الأخيرة : من يوقف ظاهرة التسوّل في شوارع العاصمة ؟

‬بملابس‭ ‬ممزقة‭ ‬متسخة‭ ‬ومهترئة‭ ‬وأحذية‭ ‬بالية‭ ‬تكتسيها‭ ‬اكوام‭ ‬من‭ ‬الغبار‭ ‬،‭ ‬وبصوت‭ ‬تغلب‭ ‬عليه‭ ‬نبرة‭ ‬حزن‭ ‬مصطنع‭ ‬يطلب‭ ‬العطف‭ ‬من‭ ‬المارة‭ ‬،‭ ‬يتخذ‭ ‬المتسولون‭ ‬الشوارع‭ ‬والازقة‭ ‬مقرات‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭  ‬يبدؤون‭ ‬يومهم‭ ‬بتقمص‭ ‬الشخصيات‭ ‬منذ‭ ‬طلوع‭ ‬الفجر‭ ‬وينتهون‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يستعمل‭ ‬علبة‭ ‬الادوية‭ ‬حجة‭ ‬لتسوله‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يدّعي‭ ‬اصابته‭ ‬بمرض‭ ‬خبيث‭ ‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك‭ ‬يوهم‭ ‬المارة‭ ‬بانه‭ ‬مقعد‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ … ‬

جميع‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬المتعددة‭ ‬والمختلفة‭ ‬هدفها‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬طلب‭ ‬الرأفة‭ ‬من‭ ‬القلوب‭ ‬السخية‭ ‬لمدهم‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬النقدية‭ ‬لتتهاطل‭ ‬بعدها‭ ‬سيول‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬الخير‭ ‬والنجاح‭ ‬يستبشر‭ ‬بها‭ ‬المارة‭ .‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬قد‭ ‬تفاقمت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬وبشكل‭ ‬ملفت‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬يقتصر‭ ‬تواجدهم‭ ‬على‭ ‬الشوارع‭ ‬والازقة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬اصبحنا‭ ‬نراهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاماكن‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬والمحطات‭ ‬والاسواق‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمقاهي‭ ‬والمساجد‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬امام‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والخاصة‭ . ‬والملفت‭ ‬للانتباه‭ ‬ان‭ ‬المواطن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المتسولين‭ ‬الذين‭ ‬دفعتهم‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬لطلب‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬،‭ ‬وبين‭ ‬المتسوّلين‭ ‬المحتالين‭ ‬الذين‭ ‬يثيرون‭ ‬استعطاف‭ ‬المارة‭ ‬وينجحون‭ ‬في‭ ‬نيل‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭ ‬دون‭ ‬تعب‭ ‬او‭ ‬مشقة‭. ‬

وفي‭ ‬تعليقه‭ ‬على‭ ‬تفاقم‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اكد‭ ‬الاستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬سامي‭ ‬نصر‭ ‬ان‭ ‬تفشي‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬اسباب‭ ‬ابرزها‭ ‬البطالة‭ ‬والازمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد‭ ‬والسبب‭ ‬الاخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بانتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬التحيل‭ ‬وظهور‭ ‬اشكال‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬عملية‭ ‬التسول‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرد‭ ‬طلب‭ ‬حسنة‭ ‬ومد‭ ‬اليد‭ ‬للغير‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬تطورت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬لتصبح‭ ‬اوظيفةب‭ ‬ومهنة‭ ‬تتطلب‭ ‬حرفية‭ ‬عالية‭ ‬واتقانا‭ ‬جيدا‭ ‬للدور‭ ‬الذي‭ ‬يتقمصه‭ ‬المتسول‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬حسن‭ ‬اختيار‭ ‬توقيت‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬والمكان‭ ‬المتميز‭ ‬والضحية‭ ‬المناسبة‭ ‬خاصة‭ ‬لمن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التحيل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ . ‬

وفسر‭ ‬نصر‭ ‬انه‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬ترتبط‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬بخصائص‭ ‬المتسول‭ ‬ذاته‭ ‬مثل‭ ‬الجنس‭ ‬والفئة‭ ‬العمرية‭ ‬،‭ ‬فالذكور‭ ‬منهم‭ ‬يعتمدون‭ ‬عادة‭ ‬على‭ ‬تقمص‭ ‬دور‭ ‬المحتاج‭ ‬الظرفي‭ ‬او‭ ‬المعاق‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬عطف‭ ‬ضحيتهم‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتقمص‭ ‬الاناث‭ ‬دور‭ ‬الام‭ ‬الحنون‭ ‬على‭ ‬ابنائها‭ ‬والعاجزة‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬قوتهم‭ .‬كما‭ ‬تتغير‭ ‬عبارات‭ ‬التسول‭ ‬حسب‭ ‬الفئة‭ ‬العمرية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬اليها‭ ‬المتسول‭ ‬،‭ ‬وترتبط‭ ‬تقنيات‭ ‬التسول‭ ‬حسب‭ ‬خصائص‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يتواجدون‭ ‬فيه‭ ‬،‭ ‬فالمختصون‭ ‬منهم‭ ‬بالمساجد‭ ‬يتقمصون‭ ‬دور‭ ‬التقي‭ ‬والزاهد‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬احيانا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬اللباس‭ ‬او‭ ‬اللحية‭ ‬الطويلة‭. ‬واحيانا‭ ‬اخرى‭ ‬تراهم‭ ‬يطلبون‭ ‬حسنة‭ ‬لبناء‭ ‬مسجد‭ ‬ولاقناع‭ ‬اصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬الطيبة،‭ ‬يحملون‭ ‬معهم‭ ‬وثيقة‭ ‬توحي‭ ‬بانهم‭ ‬ممثلون‭ ‬لاحد‭ ‬المساجد‭ . ‬اما‭ ‬المختصون‭ ‬بالتسول‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬فيعتمدون‭ ‬عبارات‭ ‬وتقنيات‭ ‬اخرى‭ ‬تتماشى‭ ‬وخصوصية‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭. ‬

شركات‭ ‬وجمعيات‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬التسول‭ ‬

وابرز‭ ‬الاستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬ان‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الاحتراف‭ ‬والمهارة‭ ‬الفردية‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعمل‭ ‬التنظيمي‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬عالم‭ ‬التسول‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصرا‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الفردي‭ ‬والنشاط‭ ‬المهيكل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬شركات‭ ‬خفية‭ ‬تمارس‭ ‬نشاطها‭ ‬بشكل‭ ‬سري‭ ‬بل‭ ‬اقتحمت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬عالم‭ ‬الجمعيات‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬لتخرج‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬السري‭ ‬الخفي‭ ‬الى‭ ‬العالم‭ ‬العلني‭ ‬وبنوعية‭ ‬نشاط‭ ‬الجمعية‭. ‬

التسوّل‭ ‬تجارة‭ ‬مربحة‭…‬

ولفت‭ ‬محدثنا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬قد‭ ‬واكبت‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬المتعلقة‭ ‬منها‭ ‬بعالم‭ ‬الاتصال‭ ‬الرقمي‭ ‬وتوظيف‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للقيام‭ ‬بالتسول‭ ‬،‭ ‬احيانا‭ ‬يكون‭ ‬بشكل‭ ‬فردي‭ ‬واحيانا‭ ‬اخرى‭ ‬يكون‭ ‬بشكل‭ ‬منظم‭ ‬ومهيكل‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬تتداخل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاجرامية‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬مثل‭ ‬التسول‭ ‬والتحيل‭ ‬والشعوذة‭ … ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬شركات‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬توفر‭ ‬الحماية‭ ‬للمتسولين‭ ‬وتوزعهم‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬وتؤمن‭ ‬لهم‭ ‬التنقل‭. ‬

واثبت‭ ‬المسح‭ ‬الميداني‭ ‬الذي‭ ‬اجرته‭ ‬الجمعية‭ ‬الدولية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والاعلام‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬افريل‭ ‬الماضي‭ ‬حول‭ ‬ظاهرة‭ ‬التسول‭ ‬ان‭ ‬4000‭ ‬متسول‭ ‬بينهم‭ ‬قرابة‭ ‬600‭ ‬طفل‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬اقليم‭ ‬تونس‭ ‬الكبرى‭ ‬،‭ ‬وان‭ ‬60‭ % ‬منهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬مرفوقات‭ ‬عادة‭ ‬باطفال‭ ‬وان‭ ‬المدخول‭ ‬اليومي‭ ‬للفرد‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يقدر‭ ‬بـ‭ ‬20‭ ‬و30‭ ‬دينارا‭ ‬وبعضهم‭ ‬يصل‭ ‬دخله‭ ‬اليومي‭ ‬الى‭ ‬70‭ ‬دينارا‭ . ‬كما‭ ‬كشف‭ ‬المسح‭ ‬الميداني‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬15‭ % ‬فقط‭ ‬من‭ ‬المتسولين‭  ‬هم‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭ ‬واجبرتهم‭ ‬الخصاصة‭ ‬والفقر‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬للتسول‭. ‬

وكانت‭ ‬تونس‭ ‬قد‭ ‬باشرت‭ ‬برنامجا‭ ‬لمكافحة‭ ‬كل‭ ‬اشكال‭ ‬التسول‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2000‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬خلاله‭ ‬بتوفير‭ ‬وحدات‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬اخصائيين‭ ‬اجتماعيين‭ ‬واعوان‭ ‬امن‭ ‬لمراقبة‭ ‬الشوارع‭ ‬والفضاءات‭ ‬العامة‭ ‬،‭ ‬واطلقت‭ ‬خدمات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تتيح‭ ‬تمكين‭ ‬المتسولين‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬رزق‭ ‬قارة‭ ‬ومساعدات‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬ودعم‭ ‬مالي‭ ‬مباشر‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬قد‭ ‬توقف‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬ثورة‭ ‬14‭ ‬جانفي‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬ادى‭ ‬الى‭ ‬ارتفاع‭ ‬اعداد‭ ‬المتسولين‭ .‬

كما‭ ‬تجرّم‭ ‬تونس‭ ‬التسول‭ ‬وتعاقب‭ ‬عليه‭ ‬ضمن‭ ‬الفصل‭ ‬171‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬التونسي‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬ينص‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬عقوبات‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬ستة‭ ‬اشهر‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يتحايل‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكذب‭ ‬عليهم‭ ‬كي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬الصدقة‭  ‬وترتفع‭ ‬العقوبة‭ ‬الى‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬المتسول‭ ‬يستغل‭ ‬طفلا‭ ‬للتاثير‭ ‬على‭ ‬المارة‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس المنظمة التونسية لارشاد المستهلك يؤكد: كلفة الدروس الخصوصية ترتفع بنسبة 20 % سنويا والمواطن يستغيث

رغم المحاولات العديدة والمتعددة من قبل منظمات المجتمع المدني لكبح جماح ظاهرة الدروس الخصوص…