في ذكرى جريمة غرّة أكتوبر 1985 بحمام الشط.. بين تونس والكيان الصهيوني دم.. وحقّ
في الليلة الفاصلة بين 30 سبتمبر وغرة أكتوبر 1985، اتخذ الكيان الصهيوني قرارا بتصفية القيادات الفلسطينية المتواجدة في تونس أنذاك وعلى رأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات.
وبالفعل شنّ أسطول من الطائرات الحربية الصهيونية صباح الثلاثاء 1 أكتوبر سلسلة من الغارات المتتالية على منطقة حمام الشط بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة أين استقرت القيادات الفلسطينية بعد خروجها من بيروت سنة 1982، وأسفرت الجريمة عن سقوط 68 شهيدا بين فلسطينيين (50) وتونسيين (18) وأكثر من 100 جريح اضافة الى تدمير المقرات وعدد من المساكن في المنطقة.
وقد فشل الكيان الصهيوني في الوصول الى الزعيم عرفات رغم ما كان لديه من معلومات كثيرة واعتماده على الأقمار الصناعية والاتكال بطبيعة الحال على الإدارة الامريكية التي لم تدخر يوما جهدها لدعم هذا الكيان وتشجيعه على العربدة في مشارق الأرض ومغاربها، وليس أدل على ذلك من مواصلة الصهاينة في استهداف وتدنيس العواصم والأراضي العربية الى جانب ملاحقة الفلسطينيين وكل من يقف معهم وينتصر لحقهم الانساني في العديد من العواصم الغربية.
هذا ولئن كانت جريمة حمام الشط التي وضع لها العدو اسم «عملية الساق الخشبية»، الجريمة الأولى المباشرة على أرضنا فهي لم تكن الأخيرة، ففي 16 أفريل 1988 نفذ جهاز الموساد جريمة أخرى تمثلت في اغتيال خليل الوزير ابو جهاد الرقم الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية والقيادي في حركة فتح في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية هذه المرة، وفي 15 ديسمبر 2016 عاد الموساد الى تونس وتحديدا الى وسط البلاد ليغتال محمد الزواري في منزله بمسقط رأسه صفاقس، والزواري كما هو معلوم مهندس تونسي ساهم في تطوير صناعة الطائرات لصالح المقاومة الفلسطينية..
وتحلّ اليوم بعد أربعة عقود ذكرى جريمة حمام الشط التي أفلت فيها الكيان الصهيوني الى حد الان من المحاسبة والعقاب رقم وجود قرار دولي لصالح تونس ظل مثل بقية قرارات الامم المتحدة حبرا على ورق.
ولأنه كيان مارق ويتمتع بحصانة مطلقة من الغرب بشكل عام ومن الولايات المتحده الامريكية بشكل خاص فقد أعلن رسميا مسؤوليته عن الغارة فور وقوعها، بل اغرب من ذلك اعتبر ان ما قام به يدخل في اطار حق الدفاع عن النفس كما هو الحال اليوم مع جريمة الابادة في الاراضي الفلسطينية وفي جنوب لبنان..!
ويُحسب للقيادة التونسية حينها وتحديدا الزعيم الحبيب بورقيبة، أنه لوّح بقطع العلاقات الدبلوماسية مع امريكا اذا حاولت استخدام حق النقض لتعطيل قرار مجلس الامن الذي صدر بالفعل في 4 اكتوبر 1985 تحت عدد 573 بناء على شكوى الدولة التونسية وتضمن ادانة لـ«العدوان المسلح الذي اقترفته اسرائيل على الاراضي التونسية» ومطالبتها بـ«االكف عن اقتراف أعمال عدوانية مماثلة أو التهديد باقترافها» و«حث الدول الأعضاء بالامم المتحدة على ثنيها عن اللجوء الى مثل هذه الاعمال العدوانية ضد سيادة جميع الدول» الى جانب الإقرار بالحق التونسي في الحصول على تعويضات مادية عن الخسائر في الأرواح والأضرار المادية التي لحقت بها والتي اعترف بها الكيان الصهيوني.
صحيح أن بلادنا لم تتوصّل بهذه التعويضات الى اليوم، وما يزال بين الكيان الصهيوني وبيننا دم وحق غير قابل للتجاهل والنسيان، لكن تونس أجادت في تلك اللحظة التاريخية ادارة المعركة الدبلوماسية والشعبية وما يزال المجتمع المدني والسياسي مصرّا على مقاومة آفة النسيان وهو يحيي كل سنة ذكرى هذه الجريمة بحضور أشقائنا الفلسطينيين.
لقد أوقع الكيان الصهيوني خسائر مادية وخاصة خسائر في الأرواح على أرضنا، لكنه خلط دماء الفلسطينيين والتونسيين فروت هذه الدماء أرضنا الخضراء وثبّتت فينا وعيا بأن هذا العدو المستقوي بالادارة الامريكية لا يعير الأعراف والقوانين والمؤسسات الدولية اي اهتمام.
كما زادتنا هذه الجريمة قناعة بأنه لا يمكن الفصل بين حقوقنا وحقوق الفلسطينيين، وانه لا سلام ولا أمن في المنطقة والعالم اذا لم يقع انصاف الشعب الفلسطيني وحصوله على حقوقه كاملة في دولته الفلسطينية التاريخية وعاصمتها القدس الشريف ووضع حد نهائي للحيف والظلم الذي تتعرض له سوريا ولبنان بالخصوص.
ان السياق التاريخي الآن يفرض علينا إحياء ذكرى جريمة حمام الشط بشكل مغاير على قاعدة أنه لا إفلات من العقاب، وان الكيان الصهيوني الذي يتجمّل اليوم ويروّج لمقولات «الدفاع الشرعي عن النفس» و«الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط» ويتمادى في جرائم الابادة والعربدة هنا وهناك، يجب ان يُواجه اليوم بحقيقته النازية والفاشية وبمقاومة شاملة، دبلوماسية وعسكرية واعلامية مع أحرار العالم الذين سبقونا في العديد من الساحات.
في الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى «7 أكتوبر..»: نصف الطريق إلى.. القدس عاصمة فلسطين
بكثير من الألم والحزن لفقدان آلاف الأشقاء، لكن أيضا بكثير من الاعتزاز والثقة والتفاؤل نحيي…