2023-12-14

المشاهد المُخلّة بالكرامة الإنسانية في وسائل النقل العمومي ألم تُحرج الدولة وهياكلها بعدُ…؟

النقل‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أسال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحبر‭ ‬وقيل‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬واعتبره‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مخلا‭ ‬بالكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬واعتبره‭ ‬المواطنون‭ ‬مدمّرا‭ ‬للأعصاب‭ ‬ومتلفا‭ ‬لها‭ ‬ووصف‭ ‬بالمذلّ‭ ‬والكارثي‭ ‬و‭ ‬فُقدت‭  ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬مقوّمات‭  ‬الأمان‭ ‬نظرا‭ ‬لاجتماع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الخطيرة‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬وتحرش‭ ‬و‭ ‬ابراكاجاتب‭ ‬كما‭ ‬عرف‭ ‬لسنوات‭ ‬انهيارا‭ ‬مدوّيا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬ومثّل‭ ‬محور‭ ‬انتقادات‭ ‬وسخط‭ ‬من‭ ‬الحرفاء‭ …‬

‭ ‬ننقل‭ ‬الواقع‭ ‬ويوميات‭ ‬المواطنين‭ ‬مع‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحطات‭ …‬طبعا‭ ‬فبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬الكرامة‭ ‬أصبحت‭ ‬الطوابير‭ ‬سمة‭ ‬تطبع‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬الأماكن‭ ‬لتكون‭ ‬الصورة‭ ‬وحدها‭ ‬كفيلة‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬االكرامةب‭ ‬ومظاهر‭ ‬الإخلال‭ ‬بها‭ ‬وعن‭ ‬حال‭ ‬الشعب‭ ‬وهو‭ ‬يركض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأماكن‭ ‬لبلوغ‭ ‬مقصده‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬مبتغاة‭ …‬عن‭ ‬أي‭ ‬كرامة‭ ‬نتحدث‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬الإذلال‭ ‬مبلغه‭  ‬في‭ ‬النقل‭ ‬وفي‭ ‬التعليم‭ ‬وفي‭ ‬الصحة‭ …‬لقد‭ ‬ضرب‭ ‬اخطبوط‭ ‬الإذلال‭  ‬في‭ ‬كل‭ ‬المضارب‭ …‬وبتنا‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬امطرحب‭ ‬تحفظ‭ ‬فيه‭ ‬كرامة‭ ‬المواطن‭ ‬لكننا‭ ‬ودون‭ ‬مبالغة‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ …‬والمشاهد‭ ‬المذلة‭ ‬تتواتر‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬المخابز‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬ومحلات‭ ‬بيع‭ ‬الأغذية‭ ‬وفي‭ ‬المستشفيات‭ ‬حتى‭ ‬نبلغ‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ …‬

لاشك‭ ‬أن‭ ‬الانحدار‭ ‬المدوي‭ ‬لخدمات‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭  ‬أفاضت‭ ‬واستفاضت‭ ‬في‭ ‬تحليلها‭ ‬وتفكيك‭ ‬أسبابها‭ ‬ومآلاتها‭  ‬المنابر‭ ‬الاعلامية‭  ‬ولكن‭ ‬لاشيء‭ ‬تغير‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬تبدل‭ ‬،‭ ‬كل‭ ‬الحقائق‭ ‬تشي‭ ‬بان‭ ‬الوضع‭ ‬يزداد‭ ‬سوءا‭  ‬ليطرح‭ ‬السؤال‭ ‬التالي،‭ ‬ألم‭  ‬تحرج‭  ‬مشاهد‭ ‬الاذلال‭ ‬الدولة‭ ‬وهياكلها‭ ‬وهل‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬الكفيلة‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لمعاناة‭ ‬المواطنين‭ ‬؟‭. 

لن‭ ‬نستعرض‭ ‬جملة‭ ‬النقاط‭ ‬وحزمة‭ ‬الإجراءات‭ ‬المزمع‭ ‬انجازها‭ ‬مستقبلا‭  ‬فمنطق‭ ‬الحقائق‭ ‬والأحداث‭ ‬اليومية‭ ‬يبرز‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬حرج‭ ‬والتحرك‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬فوريا‭  …‬ولابد‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬مبعث‭ ‬تناول‭ ‬الموضوع‭ ‬بالطرح‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬تضاعف‭ ‬معاناة‭ ‬المواطنين‭  ‬بطريقة‭ ‬باتت‭ ‬محرجة‭ ‬للدولة‭   ‬ومبعث‭ ‬تذمر‭ ‬واستياء‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬تكدس‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬وتأرجح‭ ‬شباب‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬كهولا‭ ‬ونساء‭ ‬بأبواب‭ ‬الحافلات‭ ‬في‭ ‬مشهدية‭ ‬فضائحية‭ ‬فهل‭ ‬يعكس‭ ‬ذلك‭ ‬عجز‭ ‬الدولة‭  ‬عن‭ ‬إنقاذ‭ ‬القطاع‭ ‬وحماية‭ ‬مواطنيها‭ …‬؟

فالنقل‭ ‬بات‭ ‬مبعث‭ ‬معاناة‭ ‬الحرفاء،‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬الدستوري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬حبرا‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬ولم‭ ‬يتجسد‭ ‬حقيقة‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭ ‬ونعود‭ ‬بالذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭  ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬الدستوري‭ ‬أن‭ ‬التلميذ‭ ‬الن‭ ‬يركب‭ ‬صهوة‭ ‬الدّستور‭ ‬أو‭ ‬فصلا‭ ‬من‭ ‬الفُصول‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المدرسةب‭ ‬في‭  ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬توفّر‭ ‬الأسباب‭ ‬لتجسيد‭ ‬ما‭ ‬ينص‭ ‬عليه‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬حقّ‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭ ‬والحقّ‭ ‬في‭ ‬التّنقل‭ ‬فحق‭ ‬التنقل‭ ‬لابدّ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حقا‭ ‬ملموسا‭   .‬

‭ ‬نعود‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الثقيل‭ ‬والحارق‭  ‬لنؤكد‭ ‬مجددا‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬المواطن‭ ‬بوسائل‭ ‬النقل‭ ‬مازالت‭ ‬علاقة‭ ‬مرضية‭ ‬ولاشيء‭ ‬تغيّر‭ ‬ومازالت‭ ‬الأوضاع‭ ‬غائمة‭ ‬ومشاهد‭ ‬الإذلال‭ ‬تتكرر‭ ‬يوميا‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لتزيينها‭  ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬وسائل‭ ‬تنقلهم‭ ‬إلى‭ ‬مدارسهم،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الجهات‭ ‬الداخلية‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬فتوفير‭ ‬النقل‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الأولويات‭ ‬ومن‭ ‬الضروريات‭ ‬القصوى‭ ‬ومن‭ ‬عناوين‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭  ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الخدمات‭ ‬المسداة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬قاربت‭ ‬الصفر‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬تجاوزته‭ ‬بأميال‭ ‬ولن‭ ‬نبالغ‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬بأننا‭ ‬بتنا‭ ‬نعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬اسفرات‭ ‬الإذلالب‭ ‬بكل‭ ‬معانيها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬توفر‭ ‬وسيلة‭ ‬نقل‭ ‬عمومي‭   ‬ونعي‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬نقول‭  ‬وليست‭ ‬اوسائلبنقل‭ ‬عمومية‭  ‬نتيجة‭  ‬النقص‭  ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬الأسطول‭ ‬وينسحب‭ ‬القول‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مستعملي‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭  ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬وطلبة‭ ‬وتلاميذ‭ …‬

ولا‭ ‬يختلف‭ ‬الوضع‭  ‬بكثير‭ ‬عن‭ ‬انعدام‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المعزولة‭  ‬فالمعاناة‭ ‬متشابهة‭ ‬ومتقاربة‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يقطع‭ ‬الكيلومترات‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يلهث‭ ‬ويركض‭ ‬وراء‭ ‬وسيلة‭ ‬نقل‭ ‬للظفر‭ ‬بمكان‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬العمل،‭ ‬كلها‭ ‬مشاهد‭ ‬وصور‭ ‬مخلّة‭ ‬بالكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭  ‬أعلى‭ ‬هرم‭ ‬السلطة‭  ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬ملف‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬يستدعى‭ ‬الحلول‭ ‬العاجلة‭…‬مازلنا‭ ‬ننتظر‭ ‬الحلول‭ ‬العاجلة‭ ‬فالحال‭ ‬على‭ ‬ماهو‭ ‬عليه‭ ‬والسفرات‭ ‬المذلة‭ ‬متواصلة‭ ‬وقد‭ ‬ازداد‭ ‬الوضع‭ ‬سوءا‭ ‬نتيجة‭  ‬معضلة‭ ‬النقص‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬أسطول‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬تصنيفاته‭  ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬حرب‭ ‬الأعصاب‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي‭ ‬بسبب‭ ‬قطاع‭ ‬يحتضر‭ ‬وربما‭ ‬نخره‭ ‬الفساد‭ -‬في‭ ‬بعض‭ ‬المحطات‭ ‬التاريخية‭-  ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى‭ ‬وطالته‭ ‬الأيادي‭ ‬الفاسدة‭ ‬وعبثت‭ ‬بمقدراته‭  ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الآليات‭ ‬لاسترجاع‭ ‬أنفاسه‭ ‬ولكنه‭ ‬قطاع‭ ‬حيوي‭ ‬يمثل‭ ‬الخبز‭ ‬اليومي‭ ‬للمواطنين‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬خدماته‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬العار‭ ‬ان‭ ‬يظل‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ماهو‭ ‬عليه‭    …‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الانتظارات‭  ‬لحفظ‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المؤسسات التربوية حاضنة العلم وحصن المعرفة تتربّص بها المخاطر و لم تعد آمنة..!

لم تعد  المؤسسات التربوية حاضنة العلم وحصن المعرفة في مأمن فقد  بات محيطها حاضنا لجملة من …