حتى لا تكون بوادر عطش أو ضوء أخضر لبداية التقنين : اضطرابات توزيع الماء وآثارها على المستهلكين والفلاحين
مع تواصل حالة الطقس الاقرب الى الجفاف، وعدم هطول مزيد من الامطار، رغم ان فصل الربيع تقريبا انتهى، تتواصل المخاوف في أوساط المواطنين والفلاحين وفي مؤسسات الدولة ايضا من ان تتحول المياه الى “سلعة نادرة”، خصوصا وان الاقبال عليها سيتضاعف ونحن على أبواب صيف حار، يتطلب مضاعفة الشرب والسقاية والريّ، ويتضاعف فيه الاستهلاك المنزلي أيضا، خصوصا مع توافد ملايين السياح، وعودة أبناء تونس من الخارج، والعطل المدرسية والجامعية ومناسبات الافراح والاعياد.
هذه المخاوف باتت مشروعة، وعلى قدر كبير من الاهمية خصوصا بعد البلاغ الاخير لشركة الصوناد والذي قالت فيه بوضوح “أن الاضطرابات المسجلة بولايات الكاف وسليانة وباجة والقصرين وقفصة وسيدي بوزيد ناتجة عن الهبوط المتواصل لمنسوب الآبار العميقة المزودة لهذه المناطق بسبب تواصل تدني مستوى الموائد المائية الجوفية.
وتعود الاضطرابات المسجلة في توزيع الماء الصالح للشرب بولايات قابس ومدنين وتطاوين الى قلة الموارد المائية المتاحة الذي سيتم تجاوزه مع الانتهاء من انجاز محطتي تحلية مياه البحر بجربة والزارات”.
وهو ما يُعتبر دقّا لناقوس الخطر القادم، خاصة وان الاضطراب في مادة معيشية لا يمكن الاستغناء عنها مطلقا وفي كل الحالات والفصول، بل منها كل شيء حيّ، وتراجعها او نضوبها لا قدّر الله يعني كارثة العطش، التي لا يمكن لأحد أن يتخيل حجمها وتأثيرها على البلاد والعباد، خاصة وان جفاف السنوات الاخيرة جعل من الاعتماد على المياه العميقة والابار السطحية ايضا وبقايا مياه السدود، تقريبا بشكل شبه كلي في ريّ المحاصيل وسقاية الماشية وحتى في شرب المواطنين.
واذا كانت الشركة قد بررت الانقطاع المسجل لامدادات مياه الشرب في كثير من المناطق، ب”ارتفاع الطلب على المياه في أوقات الذروة من ناحية وتقلص الموارد المائية نتيجة الجفاف الذي تشهده البلاد من ناحية أخرى” فان ذلك لا ينفي وجود أزمة أعمق بكثير من مسألة الاضطراب في توزيع المياه او الاقبال على الاستهلاك في أوقات الذروة، بل تتعداها الى مسألة استراتيجية غاية في الاهمية، هي مسالة تامين المياه حتى لا تعطش البلاد، وهذا ليس بالامر الهين الذي يمكن معالجته بالبلاغات ولا بتبريرات الانقطاع، ولا حتى بالتقنين الذي يبدو ان لا مفر منه أمام الشركة، على الاقل في الوقت الحاضر. بل يتطلب استنفارا على مستوى كل الاجهزة المعنية بالمياه، سواء وزارة الفلاحة او المجمعات المائية وادارات السدود، والدواوين المعنية، وشركة الصوناد، وكل المسؤولين مركزيا وجهويا من أجل التنسيق في عقلنة الاستهلاك، وترشيده، وتوعية المواطنين بأهمية كل قطرة ماء تضيع هدرا، والموازنة بين المناطق حسب احتياجاتها وحسب احتياجات البلاد أيضا، والاستعداد خاصة لمواسم قد تكون أشد قسوة وجفافا من التي مضت، خصوصا بعد الاضطرابات التي دخلت في السنوات الاخيرة على نسق التهاطلات، وتحول كثير من السحب المطرية الى مناطق كانت في السابق جافة، مع توقعات بان يشهد الشمال الافريقي مزيدا من الجفاف في السنوات القادمة.
وبقدر ما يتطلب الملف من عناية رسمية فانه ايضا يتطلب وعيا شعبيا بحجم الخطر المقبل اذا ما استمر هدر المياه بنفس النسق، واذا لم يجعل كل مواطن من نفسه رقيبا على استهلاكه وعلى استهلاك غيره ان لزم الامر، فالمسالة جدية ولا تتطلب أي مجال من التهاون. وتونس بلغت مرحلة ان كل قطرة ماء بحسابها، وكل تبذير مهما كان حجمه، هو مساهمة في دفع البلاد بسرعة نحو حافة العطش.
اضافة الى ذلك فان الماء من السلع النادرة التي لا يمكن التعويل فيها على الاستيراد او أي شيء من هذا القبيل، بل هو عصب الحياة لكل شعوب الارض، وهو نادر، ولا يمكن لدول وشعوب أخرى ان تفرط فيه بالتصدير أو البيع والشراء.
لا يمكن التعويل على الذات دون دعم الفلاحة وزيادة الاستثمارات : مـــتـــى يـــعـــي الــتـونــســيــون أن أمــانـهــم فـي أرضهم؟
في آخر تقرير صادر عنه الاسبوع الفارط، حذّر المرصد الوطني للفلاحة من تراجع في قيمة الاستثما…