القضاء على عنصر إرهابي خطير في القصرين  وتلميذ يطعن استاذه بآلة حادة في ظهره عندما كان يكتب على السبورة في احدى اعداديات ولاية القيروان وفي الجهة نفسها تلميذ يطعن زميله في ساحة المدرسة  ثم هجوم  مجموعة من المجهولين على منزل مواطن وحرقه مما أدى الى وفاة  صاحب المسكن  وإدخال  الزوجة إلى  غرفة الإنعاش وذلك  في منطقة دار علوش بالوطن القبلي …

هذه شذرات من الأخبار التي تداولتها وسائل الاعلام في الأيام الأخيرة وغيرها كثيرة من الأحداث الاجرامية التي تحيل على تفاقم الجريمة في المجتمع التونسي بشكل فظيع.

بالإضافة الى القبض يوميا على مروّجي المخدرات ومستهلكيها الذين يمعنون يوما بعد آخر في ابتكار «تقنيات» فائقة الذكاء للإخفاء والتمويه لتجنب الوقوع في قبضة الأمن. والتحركات المشبوهة في بعض الاحياء من قبل المراهقين وتبادل العنف من حين إلى آخر.

إذن الوقائع العنيفة اليوم أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي التونسي والذي بات يتوغل تدريجيا في دموية فائقة. ونحن امام تهديدات كثيرة ولكن ما يعنينا هنا هو التحديات الكبرى  المطروحة اليوم على المؤسسة الأمنية التي احتفلت بعيدها يوم 18 افريل الجاري إحياء لذكرى تونسة الأمن الوطني وهو حدث مهم تحييه بلادنا في كل سنة.

ويمكن القول إن الباحثين في مجالات الاجتماع والنفس يفسرون تفاقم هذه الظواهر  الخطيرة بعدة متغيرات من بينها التحولات السريعة التي يعيشها المجتمع التونسي مثل غيره من المجتمعات وكذلك الهزة السياسية التي عاشتها تونس منذ عقد ونصف والتي ما تزال ارتداداتها قائمة حتى اليوم خاصة وان بلادنا عرفت على مدار التاريخ بالهدوء النسبي سياسيا وليست بلدا يقوم على الأحداث العاصفة سياسيا.

كما ان الازمة الاقتصادية لها ضلع كبير وفق التحليل السوسيولوجي في التغيير العميق الحاصل في سلوك التونسيين وتفاقم العنف والإجرام في صفوف بعضهم ومعلوم ان الشعوب تسوء اخلاقها عندما تسوء أوضاعها المادية وفق التحليل الخلدوني للمجتمع.

لكن اعتمادنا على التحاليل العلمية هو مجرد منطلق لتفسير الأوضاع القائمة وتشخيصها تشخيصا دقيقا مع الرهان على مقاربات تؤتي أكلها بعد حين أما الحلول الآنية فهي قطعا أمنية وهنا يطرح السؤال المركزي عن التحديات الكبرى التي تواجهها المؤسسة الأمنية في تونس.

ويقتضي الإنصاف هنا القول بأن أجهزتنا الأمنية قد اثبتت كفاءتها وجاهزيتها في اكثر من مناسبة بل لعلها لا تفعل شيئا طوال السنوات القليلة الماضية سوى اثبات هذا في كل يوم.

ولعل العنوان الدال على ما نقوله هو  القاء القبض على امير كتيبة جند الخلافة الإرهابي المصنف خطير جدا محمود السلامي المكنى بـ«يوسف» وهو الضالع في عديد الهجمات الإرهابية  التي استهدفت التشكيلات الأمنية والعسكرية الى جانب عمليات السلب والترويع التي كان المواطنون العزل ضحيتها.

وتأتي هذه العملية النوعية المهمة جدا في سياق ضربات موجعة توجهها القوات الحاملة للسلاح للجماعات الإرهابية المتحصّنة بالمرتفعات الغربية لبلادنا في اطار التطهير التام والشامل لها من خفافيش الظلام وقد اصبحوا قلة قليلة لا تتجاوز أعدادهم أعداد أصابع اليد.

كما ان التحلي بضبط النفس الذي تواجه به القوات الأمنية موضوع التوترات  الموجودة حاليا في بعض المناطق التابعة لولاية صفاقس والناتجة عن احتشاد أعداد كبيرة من الوافدين من بلدان افريقيا جنوب الصحراء مؤشر دال أيضا على نجاعة أداء المؤسسة الأمنية.

لكن هذا لا يجعلنا نغفل عن معطيات مهمة وهي ان تفاقم الجريمة وتنامي الوقائع العنيفة وكثرة الاحتقان هنا وهناك من شأنها ان تنهك المؤسسة الأمنية التي هي الضامنة للوئام الاجتماعي. وبالتالي من المهم المراهنة على معاضدة جهودها باليقظة المواطنية من ناحية وبالتوعية من قبل وسائل الإعلام وعدم الترويج للجريمة سواء عن طريق تجميلها في السياقات الفنية والدرامية او عبر تسويقها كأفعال بطولية. بالإضافة الى تطوير التشريعات في اتجاه عدم التسامح مع العنف والتطاول  على القانون والقضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب التي انتشرت في السنوات الأخيرة وجعلت اغلب المنحرفين تسوّل لهم أنفسهم الجرأة على ارتكاب الجرائم والمراهنة على تجاوز القانون والإفلات من العقوبة.

ومن المهم أيضا إعادة الاعتبار الى الفعل الثقافي وهذا الدور موكول الى المؤسسات الثقافية بالتحديد من اجل استيعاب الأطفال والمراهقين والشباب وتأطيرهم وتوفير فضاءات يمكن التعبير فيها عن الذات فنيا وابداعيا بعيدا عن التعبير المرضي عن الأنا بشكل عنيف. والدور ذاته أيضا موكول الى الفضاءات الرياضية التي من شأنها ان توظّف الطاقات الشبابية المتفجرة في ما ينفع.

نقول هذا حتى لا نترك المؤسسة الأمنية تواجه كل مظاهر التوتر والاحتقان «بالقوة المشروعة» التي تمتلكها الدولة ولكنها قد لا تؤدي دائما الى النتائج المرجوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

كاد المريب أن يقول «خذوني»..!

 من هي لارا فاو ؟ وكيف قفز هذا الاسم الى دائرة الضوء لدى التونسيين؟ هل هي فنانة ام صانعة م…