الاحتقان يتواصل في معتمديتي جبنيانة والعامرة من ولاية صفاقس جراء التوترات الحاصلة على خلفية الوجود المكثف لمجموعة كبيرة من الوافدين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويبدو أن استياء المواطنين بلغ ذروته. كما أن الحاجة إلى حلول استعجالية أصبح أكثر من حتمي تماما مثل ضرورة أن يتكاتف الجميع من أجل وأد هذا التوتر في مهده.

ولعل الجديد في  هذا الملف الحارق هو  أن الاتحاد الجهوي للشغل قد تدخل مطالبا السلطات بإيجاد حل جذري لمعضلة  تواصل توافد الأفارقة بأعداد كبيرة وهدد بالإضراب العام في صورة مزيد تفاقم الوضع.

وهنا من المهم أن نطرح بعض الأسئلة المركزية :

أي دور للمجتمع المدني وفي مقدمته اتحاد الشغل من أجل إخماد هذه التوترات ووأد الفتنة في مهدها ؟

من أين تأتي هذه الموجات من الوافدين  الأجانب على صفاقس ومن أيّ ثغرة حدودية  تنفذ إلى الداخل التونسي دون التفطن إليها  ؟

وكيف السبيل للقضاء على الظاهرة في مهدها قبل التمركز والاحتشاد في مناطق بعينها ؟

وأي دور لمنظمات المجتمع المدني في التخفيف من حدة هذه التوترات ؟

إذن هذه الأسئلة التي ما فتئت تطرح بإلحاح في الآونة الأخيرة بشأن هذا الملف الحارق والتي تستوجب إجابات جادة وعميقة من جميع الأطراف.

والأكيد أن الوضعية المتفاقمة في هذه الجهة تتمحور حول الرفض القطعي من قبل الأهالي للتواجد المكثف للأفارقة جنوب الصحراء والتداعيات الخطيرة لوجودهم المكثف على المستويات الصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية.

مع الإشارة إلى أن هذا الرفض المبدئي المتصل بعوامل موضوعية لا صلة له قطعا بدواعي عنصرية كما قد يتم تأويل هذا السلوك الرافض. بل على العكس من ذلك تماما فإن التعامل اليومي بين التونسيين والوافدين يتم بشكل اعتيادي وطبيعي ولكن تواصل وفود هذه الأمواج البشرية جعل عملية التعايش صعبة وأدى إلى احتكاكات عنيفة في أكثر من مناسبة أدت إلى التدخل الأمني لفض الاشتباك.

ولعل هذا الاحتقان المتواصل يدعونا مرة أخرى إلى طرح إشكالية الهجرة السرية عموما وملف وجود المهاجرين الأفارقة في ولاية صفاقس وتحديدا معتمديتي العامرة وجبنيانة على وجه الخصوص.

وليس هذا فحسب فالأكيد أن الوضعية الدقيقة تحتّم على المجتمع المدني معاضدة جهود الدولة من اجل التخفيف من وطأة الأزمة ومن الضروري أن يلعب الاتحاد الجهوي للشغل دورا مهما في هذا الخصوص باعتبار وجوده على الميدان ومتابعته لتفرعات هذا الملف عن كثب.وليس من الحكمة في هذا الظرف اللجوء إلى التصعيد والتهديد بالإضراب العام بل على العكس تماما من المفيد أن يتكاتف الجميع وان تتضافر الجهود من أجل إيجاد حلول عاجلة و ناجعة لهذه المعضلة.

وهنا لا نحتاج قطعا إلى التذكير بأن الحل الأمني يظل ضروريا لتجنب اندلاع العنف أو الاشتباكات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه  بين المواطنين والوافدين من المهاجرين الأفارقة.  وهذا يمكن أن يكون ردّا على بعض الأصوات التي ترتفع في مثل هذه المناسبات لطرح قضايا حقوقية ولكنها من قبيل الحق الذي يراد به باطل.

فالدولة تحتفظ دوما بحقها المشروع في احتكار «شرعية العنف» الذي تلجأ إليه للتدخل في حالات مخصوصة وللضرب بصرامة على المارقين عن القانون. وهذا يندرج في أبجديات تعريف الدولة ويعرفه الجميع.

لكن علينا الإقرار بأن التدخل الأمني على أهميته  وحده لا  يكفي  بالتأكيد فهناك حلول يتقاطع فيها السياسي بالاجتماعي وتحتاج إلى  التنسيق  بين السلطات المركزية وبين الأطراف المحلية و الجهوية . وهناك حلول أخرى  لا يمكن إيجادها إلا بالنقاش مع دول الجوار. وقطعا هذا الملف تم طرحه في اللقاء التشاوري الذي دعت إليه تونس وترأّسه الرئيس قيس سعيد بحضور كل من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون و رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

كاد المريب أن يقول «خذوني»..!

 من هي لارا فاو ؟ وكيف قفز هذا الاسم الى دائرة الضوء لدى التونسيين؟ هل هي فنانة ام صانعة م…