2024-04-18

رئيسة الوزراء الإيطالية في ضيافة رئيس الجمهورية : التوافق في المواقف.. التناغم في الأفعال..!

لا أحد كان يتكهن بأن ترتقي المخرجات المباشرة لزيارة رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني الى بلادنا يوم أمس الاربعاء 17 أفريل 2024 الى مستوى إبرام ثلاث اتفاقيات من العيار الثقيل ان جاز القول للدعم المباشر لميزانية الدولة التونسية ودعم الطاقة والطاقة المتجددة والبحث العلمي إضافة الى جملة من التصريحات الجميلة حول الشراكة والتشاور والتنسيق وتوثيق روابط التعاون وتنويعها بين البلدين الصديقين.

عمليا إذن، تم عقب المحادثات الثنائية في قصر قرطاج، توقيع اتفاق بين حكومتي البلدين لدعم الميزانية العامة للدولة التونسية، واتفاقية مالية بين البنك المركزي التونسي ومؤسسة الودائع والقروض الايطالية بخصوص دعم وتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، الى جانب مذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الجامعة والبحث الايطالية للتعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي.

وتوقف الفعل المعلن عند هذا الحد، فيما ارتفع منسوب الكلام عن الصداقة والشراكة الى مستويات قياسية من العلو الشاهق المثير للسؤال المشروع حول إمكانية أن تتناغم هذه المواقف مستقبلا في الواقع مع الأفعال وتتم ترجمة النوايا الطيبة الى سياسات تترجم سيادة الدول وتثمر مصلحة مشتركة للجميع.

ولا يمكن في تقديرنا النظر الى زيارة المسؤولة الايطالية بمعزل عن موقعها ودورها الأوروبي فهي تأتي الى بلادنا أياما قليلة بعد إقرار البرلمان الاوروبي لـ«ميثاق الاتحاد الاوروبي بشأن الهجرة واللجوء» يوم 10 أفريل الجاري، ثم طارت مباشرة إلى بروكسل لحضور اجتماع المجلس الأوروبي المقرر يومي 17 و18 الشهر الجاري ايضا، ولا ننسى ان رئيسة الحكومة الايطالية تتحرك ضمن «خطة ماتي لافريقيا» التي أعلنت عنها قبل فترة.

وماتي أو السيد انريكو ماتي كما كتبنا من قبل سياسي ورجل أعمال ايطالي بارز في مجال إنشاء شركات صناعة النفط من مواليد 29 أفريل 1906 وتوفي في 27 اكتوبر 1962 في حادث طائرة غامض حيث وُجدت بقايا متفجرات في طائرته.

ويحسب للرجل أنه كان إلى جانب التخلص بذكاء من تركة العهد الفاشي في مجال شركات النفط دون التفريط في مصالح ايطاليا، صاحب دور كبير في إنشاء تحالف الدول الصناعية السبع الكبرى (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية) وهو من أنصار مقاربة استبدال المنافسة والاحتكار بمقاربة الاحتواء والشراكة.

وقد نجحت رئيسة الوزراء الايطالية في تسويق هذه الخطة في قمة ايطاليا إفريقيا التي استضافتها العاصمة الايطالية روما يوم 29 جانفي 2024 بحضور رؤساء دول وحكومات 23 دولة افريقية توافقوا ايضا على كونها خطة ايجابية بما أنها طرحت بقوّة القضايا التي تؤثّر على القارتين الإفريقية والأوروبية مثل المتغيّرات المناخية والأمن الغذائي والهجرة والطاقة.

وقد كانت الضيفة الإيطالية صريحة ومباشرة وجريئة في توصيفها لرؤيتها لـ«العلاقة الاستراتيجية المهمة للغاية مع تونس والتي تمثل إحدى أهم أولويات إيطاليا» حسب قولها.

وتؤكد مع ذلك على حتمية أن «يعمل البلدان على المستوى الثنائي، ولكن أيضا على مستوى متعدد الأطراف.. تونس لا يمكن أن تصبح الدولة التي يُرسل إليها المهاجرون القادمون من بقية بلدان أوروبا.. ونحن في حاجة إلى تعزيز التعاون في هذا الشأن كما نريد إشراك المنظمات الدولية والعمل على عمليات الترحيل».

نعم السيدة ميلوني تتحدّث بوضوح عن «الترحيل» وتشدّد على أن إيطاليا تريد العمل خاصة على تدفقات الهجرة المنظّمة لا «الحرقة»، لأنّ مرسوم التدفقات ينصّ على دخول 12 ألف تونسي فقط بصفة قانونية إلى إيطاليا، وهذا نصيب بلادنا مع إمكانية العمل على مزيد دعم الهجرة القانونية في المستقبل.

وحتى يكون إخراج الموقف الايطالي جميلا تصرّح جورجيا ميلوني أنّه من الضروري أن تعمل إيطاليا وتونس معا «لمحاربة المتاجرين بالبشر، ومنظمات المافيا التي تستغل التطلعات المشروعة للذين يرغبون في حياة أفضل» وتفضلت مشكورة بتوجيه الشكر للسلطات التونسية على العمل المشترك بين البلدين في هذا المجال..

وقد قوبلت تحية رئيسة الحكومة الايطالية بأفضل منها حيث كانت حفاوة الاستقبال الرسمي والانشراح باديا على الوجوه، وتضمن الكلام إشادة بالعلاقات التاريخية وبنسق الزيارات المتبادلة وتذكيرا بالثوابت.

وهنا جدد رئيس الجمهورية قيس سعيد موقف تونس الثابت الرافض لأن تكون بلادنا مستقرا أو معبرا للمهاجرين غير النظاميين والدعوة  إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر وبأعضاء البشر في جنوب المتوسط وفي شماله.

وقدم رئيس الجمهورية الحجج لضيفته للتدليل على التزام تونس وتشبثها بالقيم الإنسانية وجهودها لرعاية المهاجرين غير النظاميين «لكنها لا يمكن لها كأي دولة تقوم على القانون أن تقبل بأوضاع غير قانونية على أراضيها» لأن المهاجرين غير النظاميين هم في نهاية المطاف ضحايا نظام اقتصادي عالمي لم تكن تونس سببا من أسبابه بل هي من ضحاياه، فضلا عن أن هذه التدفقات على بلادنا بهذا الشكل تدل بكل وضوح على وجود تنظيمات هي التي تقف وراءها.

إن مضامين الخطاب الذي بدا أنيقا وناعما على مستوى الشكل يبقى رهين امتحان الممارسة والتطبيق وانبلاج كل الحقيقة في سلوك البلدين الصديقين فالكلمات المفاتيح في الخطاب حول الهجرة غير النظامية والترحيل تُرجمت في الماضي بالشرطي الذي يحرس جنوب المتوسط فيما قورنت الاتفاقيات الاقتصادية بالعصا والجزرة ولا ننسى دائما أن تونس لها موقف متقدم مما يحصل في فلسطين والحال أن صديقتنا ايطاليا على النقيض من ذلك ليس فقط في صمتها عن جرائم الكيان الصهيوني ولكن في دعمها له وهو ما يفرض المراجعات والحذر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يعيدون إلى الأذهان «لحظة 68» القرن الماضي: من أمريكا إلى تونس.. الطلاّب ينتفضون من أجل فلسطين

دخلت التحرّكات الطلابية في الولايات المتحدة الامريكية أسبوعها الثاني احتجاجا على العدوان ا…