محاور مجلس الأمن القومي التي أعلن عنها الرئيس في افتتاح أشغال المجلس الذي انعقد مساء أول أمس كانت على غاية من الأهمية والخطورة باعتبارها هاجسا من هواجس الدولة والمجتمع أيضا وهي محاور ثقيلة في علاقة مباشرة بالأمن القومي وفي علاقة بسلامة المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم وفي علاقة بالمجتمع التونسي بشكل عام الذي تتهدّده «ظواهر انحراف كبرى» تحولت بعد تمدّدها الى تمرين يومي في شوارع العاصمة وأحوازها الشمالية كما الجنوبية وفي الاحياء الشعبية المجاورة والتي أصبح بعضها وكرا للجريمة المنظمة بكل أنواعها اضافة الى جرائم غير مألوفة في المجتمع التونسي الذي لم يتعود على سقوط «قتلى» وجرحى في «معارك الشوارع» المدججة بكل أنواع وأشكال الاسلحة البيضاء بما في ذلك «السيوف» التي أصبحت تعدّ خصيصا للجماعات الاجرامية… والحمد لله أن «الاسلحة النارية» محظورة بتونس والاّ تحولت هذه «المعارك» الى «حروب» طاحنة بين «رهوط الجريمة»…

هل يستحق الأمر انعقاد مجلس الأمن القومي بكامل تركيبته الامنية والعسكرية وتحت اشراف الرئيس قيس سعيد وبحضور وزراء السيادة (ما عدا وزير الداخلية الذي كان في مهمّة بالخارج)..؟ نعم الأمر على غاية من الاهمية والخطورة وقد سبقت انعقاد مجلس الأمن القومي لقاءات مباشرة استقبل خلالها الرئيس وزير الداخلية ومدير عام الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني فنحن ـ هنا ـ أمام «اجرام كبير» ـ كما يصنفه علماء الاجتماع ـ تسرّب كالرمل وامتد دون أن تنتبه اليه مؤسسات الدولة داخل المجتمع التونسي وأصبح بمثابة «الهوية» الملتصقة بفئة من التونسيين تدل على وجودهم الفعلي المربك للدولة والمجتمع وقد استغلوا ضعف وهشاشة أجهزة الدولة ومؤسساتها خلال العشرية الأخيرة لينتظموا داخل «مجموعات» اجرامية استباحت الناس في ممتلكاتهم وفي أرواحهم وفي اعراضهم بحيث أصبح قتل النفس البشرية وذبحها والتنكيل بها أمرا سهلا وممكنا على غرار الجريمة الاخيرة بالضاحية الشمالية وتحديدا وسط مدينة المرسى حيث تم قتل طفل الاربعة عشر سنة ومن ثمّة سحله أمام أعين الناس من أجل «هاتف جوّال» وقد اجتمعت من حوله مجموعة من الشباب المنحرف والمخدّر لم تتردد في قتله من أجل اللاشيء…

نعم الأمر يستحق انعقاد مجلس الأمن القومي فالأمر في علاقة بحياة الناس وأمنهم وأرواحهم ومن واجب الدولة أن تعلن «الطوارئ» من أجل استقرارها ومن أجل أمن مواطنيها… فهل يعقل في «دولة آمنة» أو من المفترض أن تكون آمنة أن تندلع معركة طاحنة بين حيّين متجاورين (حي التضامن وحي المنيهلة) استعمل خلالها المنحرفون كل أنواع الاسلحة البيضاء والسيوف كبيرة الحجم وقد استمرت لأكثر من ثلاث ساعات بتمامها وكمالها وعليكم أن تتخيلوا حجم «الرعب» الذي أصاب الاهالي في المنطقة في غياب أمني غير مبرّر وغير مفهوم، نضيف الى هذا كلّه ما يحدث يوميا من «براكاجات» ومن اعتداءات على مواطنين مسالمين وسلبهم أموالهم على الملإ…

انظروا حال شوارع العاصمة وحجم الانفلات وحجم الجريمة في انهجها المتاخمة…؟ من بامكانه من «مواطني» هذا البلد أن يمرّ ليلا من شارع مرسيليا وهو «شارع أنموذجي» ترتكب فيه ـ ليلا ـ كل الموبقات من عنف وجريمة ومخدرات وأسألوا وزارة الداخلية كم من جريمة قتل شهدها هذا «الشارع الأنموذجي» وكم من عملية براكاج وسلب ونهب…؟

ثمّة ـ ولا شك ـ غياب أمني بل لنقل فراغ أمني في الاماكن التي من المفترض أن تكون مكتظة أمنيا على غرار الشوارع المتاخمة للعاصمة وهي «أوكار جريمة» تأوي كل المنحرفين الوافدين عليها من الاحياء الشعبية وعليه فإن وزارة الداخلية مطالبة بمراجعة «الجغرافيا الامنية» وعلى دولة الرئيس مراجعة السياسات الامنية وفيها الكثير من الثغرات التي وجب الانتباه اليها…

هذه الظواهر بعضها عشوائي وليست له من غايات سوى «الغاية الاجرامية» من سرقة ونهب وقتل إن لزم الامر وفي المقابل ثمّة أيضا وقائع وجرائم لا يمكن ان تحدث عشوائيا ومن قبيل الصدفة كما جاء على لسان الرئيس من ذلك إشعال العجلات المطاطية ليلا واغلاق الطرقات اضافة الى وجود مسالك آمنة تمرّ منها المخدرات دون رقيب ودون ان ينتبه اليها أحد لتصل في الاخير الى المدارس والمعاهد ولتوزع بين التلاميذ داخل المؤسسة التربوية…!! من يشرف على هذه «المسالك الآمنة» لترويج المخدرات..؟ كيف تصل بتلك السهولة الى «رؤوس ابنائنا» التلاميذ…؟ كيف توزع داخل المؤسسة التربوية دون أن ينتبه الى ذلك الإطار الإداري والتربوي…؟ هذه أسئلة «طرحت» ولا شك أمام مجلس الأمن القومي في انتظار اجابات حقيقية… وقد كان حريّا بوزيرة التربية التي سارعت ببعث خليّة أو لجنة للتبليغ عن الفساد أن تسارع بتكوين لجنة لمقاومة العنف والمخدرات داخل المؤسسة التربوية وهذه أولوية الأولويات لو تعلم السيدة الوزيرة…

مجلس الامن القومي طرح عديد المحاور في الواقع كالصلح الجزائي وهذه مسألة حسمها الرئيس بقوله ان من يريد صلحا حقيقيا فإن ابواب الصلح مفتوحة شرط أن يعيد ما هو مطلوب منه بالكامل وهو آمِنُُ بعد ذلك…

ومن القضايا المهمة التي طرحها المجلس قضية المهاجرين غير الشرعيين القادمين من جنوب الصحراء وقد أصبح وضعهم في تونس مزعجا بالفعل وخاصة في مدينة صفاقس وقد توزعوا في كل معتمدياتها وما حدث مؤخرا في معتمدية العامرة لا يمكن مواجهته بغير القوّة الامنية وقد حدث ذلك بالفعل بعدما حاولوا الاستيلاء على بيوت آمنة واعتدوا على سكان المنطقة وأغلبهم من صغار الفلاحين وتونس تعاملت مع وجودهم على كامل تراب الجمهورية انسانيا وراعت في ذلك كل الحقوق والواجبات تجاههم باعتبارهم ضحايا أوطانهم إلاّ أنهم تمادوا في تجاوز القانون وفي الاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم ولم يعد ثمّة من حلّ غير ترحيلهم الى أوطانهم بالتي هي أحسن خاصة بعدما تخلت عنهم كل منظمات الاغاثة الدولية المعنية باللجوء والهجرة… ترحيلهم الى أوطانهم سلميا أمر ضروري ومستعجل وهي أَوْلَى بهم بما أنهم ضحاياها حتى لا تتحوّل تونس الى «ضحية» بسبب وجودهم الثقيل وقد ندفع الثمن باهظا ما لم تسارع السلطات التونسية بترحيلهم قبل «الانفلات العظيم»…

أمام مجلس الأمن القومي محاور وأسئلة ثقيلة ومن واجبه تقديم الحلول من أجل استقرار الدولة وأمن المجتمع خاصة في هذه السياقات الاقليمية والدولية المتوترة زائد رهانات ومواعيد داخلية كبرى وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية والتي يترصدها عملاء الداخل وأعداء الخارج…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

وماذا عن حقوق «السكّان الأصليين»..؟

 «ما يحدث غير طبيعي وثمّة ترتيب اجرامي تم اعداده منذ مطلع القرن لتغيير التركيبة الديمغرافي…