2024-04-17

ابتزاز… عنف جنسي …ترهيب …رعب وجرائم أخرى : الوجه المظلم والخفيّ للأنترنات..!

لكل عملة وجهان، ولكل سيف حدان، وللإنترنات أيضا جانبان، أحدهما نعرفه جميعا ونبحر فيه يوميا، وآخر خفي لا يلِج إليه الكثيرون، لأنه يخفي وراءه وجها مظلما لهذه الوسيلة التكنولوجية التي اكتسحت عالمنا وباتت جزءا من حياتنا.

إن التطور الملحوظ الحاصل في مجال المعلوماتية أدى إلى انتشار استخدام الانترنات بشكل كبير بين مختلف الشرائح العمرية حتى الأطفال منهم، ورغم الإيجابيات التي تقدمهما الانترنات للأفراد إلا أنها تعد أخطر الوسائل التي يمكن أن يستخدمها بعض الأفراد والمنظمات الإجرامية لارتكاب الجرائم المعلوماتية. ومن أهم هذه الجرائم الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الانترنات وهذا نتيجة لسهولة استدراج الأطفال بحكم ضعف قدراتهم الجسمية والعقلية ليصبحوا ضحية الاستغلال الجنسي إما لأغراض شخصية أو لأغراض تجارية. وقد جاءت هذه الورقة العلمية نظرا لانتشار الجريمة المعلوماتية بهدف تسليط الضوء على إحدى أهم هذه الجرائم ألا وهي جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الانترنات.

الاعتداء الجنسي، والاستغلال، والاتجار، والعمل القسري، والاختطاف، ليست سوى بعض المخاطر التي يواجهها الأطفال في جميع أنحاء العالم اليوم. ويسعى الإنتربول إلى مكافحة هذه الجرائم ذات البعد الدولي.

حادثة هزت الرأي العام..!

أثارت صفحة اجتماعية جدلا واسعا، بعد اتهامها باستغلال الأطفال «جنسيا»، قبل أن تتدخل وزارة المرأة والطفولة لتؤكد أنها بدأت تحقيقا حول هذا الأمر.وتداول سياسيون وحقوقيون صورا ومنشورات لأحد الأشخاص على صفحة «السيدة» في موقع إنستغرام، قالوا إنه يقوم باستغلال الأطفال وابتزازهم جنسيا.

وأعلنت وزارة المرأة والطفولة، في بلاغ على فيسبوك أن الجهات الأمنية والقضائية بدأت التحرك الفوري للتحقيق في هذه القضية، وملاحقة صاحب المنشورات ومقاطع الفيديو التي تم نشرها على الصفحة المذكورة.

وأكدت أن «مندوبي حماية الطفولة لم يتلقوا أيّ إشعار سابق حول هذه الواقعة، وهم يتابعون عن قرب حيثيات هذه القضية للقيام بدورهم كاملا والتعهّد الفوري بالأطفال الضحايا حال التعرف الدقيق على هويّاتهم وضمان مصلحتهم الفضلى طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل ولما ستكشف عنه التحريّات الجارية».

وذكرت بأهمية «الإحاطة بالأطفال وضمان سلامتهم النفسية والجسدية وتكريس ثقافة الحوار داخل الأسرة وفي المجتمع بما يساعد على بناء علاقة ثقة وتحصين الناشئة من كافة المخاطر وأشكال التهديد الممكنة، وتأطير استعمالهم الرشيد لشبكة الإنترنات ووقايتهم من المخاطر والتهديدات الممكنة في الفضاءات الرقمية والسيبيرانية».

كما أكدت أن تونس لديها «منظومة قانونية واجتماعيّة ومؤسساتيّة ضامنة لحقوق الطفل ورادعة لكلّ مصدر تهديد لمصلحته الفضلى»، مذكّرة بأهمية «الالتزام بواجب إعلام مندوب حماية الطفولة بكل ما يمكن أن يهدد سلامة الطفل البدنية أو المعنوية، باعتباره واجبا قانونيا وأخلاقيا محمولا على الجميع.

من جانب آخر اعتبر مجدي الكرباعي الناشط في المجتمع المدني بإيطاليا في تصريح لـ«الصحافة اليوم» أن قضية ابتزاز الأطفال جنسيا عبر صفحات التواصل الاجتماعي أثارت ضجة واستياء كبير لدى الجالية التونسية في إيطاليا التي تتصل به دون هوادة منذ انتشار صورة الكهل الذي اقترف الجرم تجاه أطفال لم يتجاوزوا سن الثانية عشرة.

ورجح الكرباعي بأن يكون هذا «المجرم» ينشط ضمن شبكة دولية للاتجار بالبشر سيما وأن المعطيات الأولية تفيد بأن بحوزته أكثر من 350 فيديو لأطفال ويتم تبادلها مع أشخاص آخرين وبالتالي عملية الابتزاز لم تنته.

واعتبر مجدي الكرباعي أن تونس لم تصرح عن موقف واضح وحتى بلاغ وزارة المرأة كان عاما ولم يتضمن تفاصيل وبالتالي يصعب اتخاذ خطوات واضحة تجاه المتهم وتتبعه قضائيا، إلا إذا تدخل أعلى سلطة في الدولة والقيام بإنابة دولة وإصدار بطاقة جلب دولية في حق المتهم. وبالتالي فإن القضية حاليا مازالت في إطار التثبت وفق محدثنا.

مسؤولية جماعية!!!

يقول المثل الشعبي التونسي «إلي يسرق يغلب إلي يحاحي» بمعنى أن حيلة اللص دائما تتغلّب على الضحية مهما كانت اليقظة. والمثل ينطبق على ظاهرة الاتجار بالبشر التي غزت العالم منذ سنوات مستغلة التطور التكنولوجي. فالتكنولوجيا الحديثة مثلت ملاذا لعصابات الاتجار بالبشر للتخفي ومحو آثار جرائمها والتغلغل بسهولة داخل الدول دون الإطاحة بها.

وفي هذا الإطار اعتبر الدكتور معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل في حديثه مع «الصحافة اليوم» أن استغلال الأطفال وتسليط العنف السيبرني عليهم بات ظاهرة دولية طالت كل الدول ومنها تونس.

وأفاد الشريف ان 83 بالمائة من أطفال تونس يتعرضون للعنف بشتى أشكاله وللأسف فإن المجتمع ينتظر مثل هذه الحالات الموجعة ليدق ناقوس الخطر ويطرح مسألة ضرورة حماية الأطفال.وأكد أن المسؤولية تقع على عدة جهات منها وزارتا الأسرة والمرأة والطفولة والتربية ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك الأسرة، للحدّ من هذه الظاهرة والوقاية منها، إلى جانب الردع القانوني.

ودعا رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل إلى ضرورة إعداد استراتيجية اتصالية أساسها توعية المواطن ونشر ثقافة التوقي من الجريمة المنظمة وخاصة حماية الأطفال من الوسائط الإلكترونية ومراقبتهم، وتقنية عبر رسكلة مختصين وتكوينهم، وأمنية من خلال تطوير منظومة أمنية إلكترونية ذات أهداف محددة ومراقبة.

غياب الوعي!

غياب التربية الجنسية داخل العائلة وفي المدرسة واعتبارها من المحرمات، فضلا عن ثقافة المجتمع وسيطرة العادات والتقاليد وكذلك افتقاد الوعي وغياب الرقابة ساهم في انتشار ظاهرة استغلال الأطفال جنسيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق أوضحت ربيعة التوكابري المختصة في علم النفس أن الطفل منذ الصغر يجب أن يتعلّم أهمية الحفاظ على جسده وكيفية حمايته، ويعرف حدود علاقاته مع الآخرين ويزرع فيه الشعور بعدم الخوف في الحديث أو الإبلاغ عن أيّ تجاوزات تحصل له مهما كانت.

واعتبرت ربيعة التوكابري أن الجرائم الإلكترونية تعد من أخطر الجرائم التي تهدد الناشئة باعتبارها ظاهرة خطيرة يتزايد ضحاياها يومًا بعد يوم وينتشر مرتكبوها في بلد تلو الآخر.

ويشار إلى أن عقوبة التحرّش الجنسي في القانون التونسي، السجن من سنة إلى سنتين، لكنّها تتضاعف وتصل إلى 4 سنوات، إذا كان الضحيّة طفلا أو إذا كان الفاعل من أصول أو فروع الضحية من أي طبقة، أو إذا كانت للفاعل سلطة على الضحية أو استغل نفوذ وظيفه، وإذا سهل ارتكاب الجريمة حالة استضعاف الضحية الظاهرة أو المعلومة من الفاعل.

ظاهرة دولية خطيرة..!

كشف تقرير نشره تحالف «WeProtect Global Alliance» عن ارتفاع بنسبة 87 في المائة في الحالات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية المبلغ عنها عند الأطفال في عام 2023 مقارنة بعام 2019. وبلغ عدد الحالات أكثر من 32 مليون حالة عالميا بحسب المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين.

وقد كشف التقرير الذي يقدم نظرة معمّقة وجوهرية حول التهديدات التي يواجهها الأطفال عبر الإنترنات في عام 2023 عن ارتفاع بنسبة 360 في المائة في الصور الجنسية التي يلتقطها الأطفال لأنفسهم ضمن الفئة العمرية من 7 إلى 10 سنوات بين عام 2020 وعام 2022، بحسب مؤسسة مراقبة الإنترنات.

وأظهر التقرير أنّ المحادثات التي يجريها الأطفال على المنصات الاجتماعية للألعاب مع المعتدين يمكن أن تتحول إلى محادثات خطرة في غضون 19 ثانية فقط من محاولات الاستمالة، في حين يبلغ المعدّل العام لوقت عملية الاستمالة 45 دقيقة فقط، وتساهم بيئات الألعاب الجماعية التي تسهل الاختلاط بين البالغين والأطفال، وتبادل الهدايا الافتراضية وأنظمة التصنيف العامة، في ارتفاع هذه المخاطر إلى حدٍ كبير.

كما خلصت الدراسة إلى ارتفاع ملحوظ في الابتزاز الجنسي لغايات مالية، حيث ارتفع عدد الحالات المبلغ عنها من 139 حالة في عام 2021 إلى أكثر من 10000 حالة في عام 2022، وتنطوي هذه الحالات على استمالة المعتدين للأطفال والتلاعب بهم لجعلهم يشاركون صوراً ومقاطع فيديو جنسية لأنفسهم، ومن ثم ابتزازهم لتحقيق مكاسب مالية، ويتظاهر عدد كبير من المبتزين بأنّهم فتيات صغيرات ويتواصلون في معظم الأحيان مع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أدت هذه الظاهرة إلى سلسلة مأساوية من حالات انتحار الأطفال.

وبحسب التقرير، تظهر فجوة كبيرة بين مدركات الأطفال للمخاطر عبر الإنترنات والتجليات الفعلية لحالات الاعتداء عبر الإنترنات. وتشير الأدلة إلى أن الأطفال غالباً ما تربطهم معرفة مسبقة بمرتكبي الجرائم، والأمر سيّان بالنسبة إلى المنصات الخاصة حيث تحدث معظم حالات الأذى الجنسي، ويبرز ذلك ضرورة تحسين معلومات السلامة على الإنترنات حسب الفئات العمريّة، فضلاً عن إتاحة عمليات الإبلاغ بشكل أسهل.

لا شك أن شبكة الأنترنات أصبحت جزءا رئيسيا من حياتنا اليومية في العمل والمنزل للبحث عن أشياء نحبّها أو مقالات مفضّلة أو أمكنة لم نزرها من قبل، فضلا عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك جانبا مظلما ومخيفا لهذا العالم الافتراضي ففي الجزء غير المرئي من الشبكة العنكبوتية مرتع للأنشطة التي تنافي القانون، يمارس فيه المجرمون أعمالهم على مدار الساعة بصمت وسرية وتهدد الكبار والصغار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تهشيم بلور…كسر أبواب.. تعطيل أنظمة التحكم الالكتروني وأشياء أخرى:  أعمال التخريب تعمّق الحالة الكارثية  لأسطول النقل بالعاصمة 

أثار مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي في تونس بداية  الأسبوع تضمن صعود عدد من…