2024-03-16

الكاتبة الكويتية عائشة عدنان المحمود لـ« الصحافة اليوم» : الكتابة حالة تماس عصيّ مع  نبض العالم

تكتب عائشة عدنان المحمود الرواية والقصة القصيرة وأدب الرحلة؛ من مؤلفاتها نذكر: رواية «عباءة غنيمة» عن دار الساقي 2022 ، رواية «وطن مزور» (يوميات البن والحناء) 2018، المجموعة قصصية «آخر إنذار» عام 2014،  في أدب الرحلات : «في حضرة السيد» (فوجي سان ) – (مشاهدات سائحة في اليابان. 2016). كما تشغل منصب الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. في أدبها يتعرّف القارئ، على التحولات التي طرأت على المجتمع الكويتي، على صخب الحياة وانكساراتها، وعلى الانسان وما يواجهه من أقدار؛ «من فرح أو غرابة أو ألم» ، ببراعة جرّاح لا يقع في «أدران الوهم » بل يحفر في اللحم الحيّ بحثا عن اشراقات الأدب وسحره الجميل. هنا حوار معها:

* في حالات كثيرة يكون الكاتب أو الروائي او الشاعر بعيدا عن مجال العمل الثقافي، أنتم على العكس من ذلك تتموقعون في بؤرة التسيير والمتابعة لهذا المجال الدقيق. كيف تفصلون بين الذاتي والموضوعي ضمن هذه المعادلة المتميزة؟

بداية ، هي لا تنتمي للتميّز كتجربة، بل هي تجربة وظيفية، لا تخرج عن حدود سياقاتها المهنية التقليدية ، ولعلّ فيها الكثير من التقاطعات. ومن الممكن الاستشهاد بتجربة الدكتور والأديب غازي القصيبي، فما يكمن في هذه التجربة ؛ ليس الفصل بل القدرة على خلق التوازنات اللازمة لهذه الحالة. والسؤال في وجهه السافر يُنكئ جرحًا كامنًا في النفس، وربما ليس كامنا بالقدر الكافي، بل على العكس من ذلك ، إنه واضح وخادش أكثر ممّا ينبغي، فإن تكن مشتغلا بالأدب وجزء من تلك العملية التي تستولد نصًا إبداعيًا ما من رحم الفرح أو الغرابة أو الألم.. في الغالب، وفي الوقت ذاته كونك ضالع أساسي ومباشر في عملية رسم الخارطة الثقافية إلى حد بعيد، فهو أمر شاق بلا شكّ على صاحب الوعي، لأن محاولة التفريق بين كونك كاتبا تنتمي للفعل الثقافي وتتبنّاه ، وأن تكون محددًا لمسارات تلك العملية شيء شاق للغاية.

ولعل أصعب مافي الامر هي محاولة التقاط تلك الشعرة الضئيلة الفاصلة بين زيح و آخر، إنها شعرة واهنة ورقيقة الى حدّ يصعب عليك أحيانا رؤيتها إلا أنك مجبرٌ على مراعاتها. وبالتالي عليك أن تجتهد لموازنة كفّة الانحيازات لأن لا تميل معاييرك نحو مقاربة عالمك الخاص وبروز اجتهاداتك التي لابد أن تكون في كثير من المواقع مستحقة وواجبة ، لكنك وللضرورات الأخلاقية ستضطر للنأي بنفسك عن دائرة الضوء والبريق ، لصالح الاخرين، أيّاً كانت درجة إبداعهم ، وذلك التزاما منك بناصية الحياد، والأمر ليس بالبساطة التي تبدو ظاهريًا، بل هو معاناة كبرى في الواقع.

*في رواياتكم كثيرا ما تنطلقون من سياقات محلية نحو الاقليم والعالم. الى أيّ مدى تحتفلون بالابعاد الانسانوية في مدونتكم الروائية ضمن هذه الثنائيّة ؛ المحلّي والكوني ؟

المقولة الشهيرة تقول أننا نكتب عمّا نعرفه، وبما أنني بالضرورة أعرف مفردات عالمي القريب جدّا ستجد مفرداته الاجتماعية والإنسانية حاضرة بكثافة وسطوة على مفاصل السرد، وتبدو واضحة في الرواية الثانية تحديدا، لكن هذا لا يعني الانغلاق نحو الداخل و الاكتفاء بما نجيد الحديث عنه وبما نحفظ تفاصيله عن ظهر الذاكرة المحدّب المهدّد بسقوطها من عليه، انما التحدي الحقيقي لأي كاتب هو أن يخرج من بوتقته الآمنة ويخترق عوالم وعواصم وأقاليم جديدة ، في الوقت الذي يبقي يده على لجام السرد في منطقة يحفظ أبعاد خرائطها جيدًا، لأنّ الخروج نحو فُسح مكانية أكثر اتساعًا يكون مغريًا في الكثير من الأحيان ، ممّا يُوقع الكاتب في شرك الخديعة الواهية للكتابة، وهذا ما أحاول أن أتحاشاه دائمًا ، لذلك هي مخاطرة على طرافتها وخفّتها ، إلا أنها في بُعد من أبعادها وجزء كبير منها شاقّة وشائكة.

* ضمن تجربتكم الروائية، الراوي الخفي- الظاهر، قد لا يبدو للقراء محايدا بل شاهدا ضالعا في الأحداث ومتبنيا للمواقف المختلفة. ما تفسيركم لذلك؟

أظنها اشكالية لا تخص نصوصي المتمرّدة وحدها، إنما تنطلق لتطال كل أطياف الكتابة وعلى الأخص بأبعادها السردية، فنحن ككتاب بشكل ما نُحَمل شخوصنا مضامين وأسئلة ومواقف معينة، نريد أن ننطلق بها من مجرّد راوي للحدث ومطلع عليه إلى ضالع أساسي في بنائه وفي صياغة تفاصيله وبناء عوالمه المحقونة بالكثير من الأسئلة والمواجع وحتى ابتداع الاستعارات المدهشة و اقتراف الأفعال الجسورة، وكل ما قبلها وما ورائها من انبعاثات تشوب عوالم الرواية، وبالضرورة فإنّ شخوصا مثل هذه لا يمكن أن تكون مبرأة تماما ، بل تطالها شبهة الاشتباك مع المواقف والانحيازات التي قد لا تكون بالضرورة صحيحة ولكنها بالتأكيد لازمة، من وجهة نظري انه لا يمكن أن يكون الراوي ساردًا محايدًا للحدث بل يجب عليه أن يكون صانعا أساسيا له أو حتى متورطاً في اقترافه.

*   أين تصنّفون أنفسكم في عالم الرواية على المستوى الخليحي والعربي؟

أميل أكثر إلى الشكّ في رؤية الكاتب لذاته وما يكتبه، فمن الطبيعي أن ينتابك هذا الهذيان بأنك قادر على كتابة النص بشكل أفضل مما ظهر عليه أو أن أجمل ما كتبته لم يأت بعد، فالكاتب الحقيقي بطبعه شكوك، وهو أمر مطلوب وهو ما يمدّك بالطاقة التي تمكنك من مواصلة المسير نحو نص مناور جديد يبحث عنك، لكن التشكك في موهبتك واستحقاقك شيء آخر تماما. من الصعب وضع الكاتب في المستويات النقدية والصحافية ومتطلبات السوق، فهذه الأمور نسبية وتتغيّر مع الزمن، فثمة روايات وأعمال كتبت قبل قرون نراها الآن معاصرة وتتصدّر المشهد. وفي زمنه فان كوخ لم يبع سوى لوحتين، وقال أنني أرسم للجيل القادم. هذه المعايير وقتية وغير صحيحة في الغالب، ولا أحب الخوض فيها أو وضع نفسي في قائمات الصحافيين والنقاد.

*هل تعتقدون بوجود رواية نسوية وفقا لما تخطه التوجهات الجندرية؟

لا أومن بجنسوية الأدب، فلطالما كنت أرى الأدب كميدان معارك مفتوح على كل النهايات لا معايير فيه للمقاتلين ولا سمات استباقية تشترط لهم، كل ما يهم هو أنك حقيقي، كاتب حقيقي، لا تعلق بك أدران الوهم أو تتشبث برأسك هواجس لا منطقية، إن كنت كذلك لا يهم أيّ معيار آخر لا الجنس ولا العمر ولا التجربة ولا أيّ شيء، الرهان الحقيقي في الكتابة هو الصدق، متى كنت صادقا بالتأكيد ستكون كاتبا حقيقيا.

* من يغوص في مدونتكم الروائية يلحظ بعدا انثروبولوجيا واضحا. أي أنكم تتبعون نبض المجتمع وتبحثون عن معالجة ما لمواطن ألمه. الى أي مدى يصح ذلك؟

الكاتب جرّاح بلغة أخرى، الكاتب البعيد عن الوجع لا يمكن أن ينتج نصا مشحونًا، لا يمكنه خلق حالة تماس عصي مع نبض العالم، فالكتابة حالة اشتباك عنيف مع الجراح، محاولة لإعادة تفكيكها و صوغها في قوالب مكثفة، الكتابة من أجل البهجة حاضرة وضرورية، وقد أكون أحببتها في مرحلة ما وأحب أن أعود اليها أحيانًا إلا أنني لا انتمي إليها، لا أرى نفسي سوى طرفا أصيلا في معادلة الكتابة كباحث ينبش الأرض بحثا عن مواجع لم يُحك عنها بالقدر الكافي أو لم تتجلّ كما أحب أن أراها بعد.

*أفق الكاتب وخلفياته الفكرية ، هل تكفي الرواية كصنف أدبي في استيعابه والاستجابة له؟

بالطبع لا، لا أعتقد أنّ الرواية ولا القصة ولا القصيدة، ولا  أي قالب آخر يكفي ليستوعب أبعادنا ورؤانا وتراكماتنا الفكرية، قد تصلح الكتابة السردية للتنفيس عن شيء ضئيل من تلك الهواجس كجدول صغير ينسرب من مسار النهر خالقا لنفسه مسارا خجولا صغيرا، لكنه بالتأكيد لا يكفي، فلابد لكل واحد منا أن يختلق عوالم موازية، أمكنة خيالية أو حتى واقعية يمكنه فيها الصراخ أو الضحك أو حتى البكاء بصوت مرتفع، دون تلك الفضاءات التي تعد ضرورية لاستيعاب الدفقات الفكرية المتراكمة في الروح لن نستطيع مواصلة الحياة سنجد أنفسنا عند أول منعطف منهزمين على رصيف مهجور، نغازل الوحدة ويغزونا الهذيان والخدر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

فيلم أغورا  لعلاء الدين سليم يمثّل تونس في المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السينمائي : عن الذاكرة الجماعية  التي تزعج وتذكر بإخفاقات السلطة

تمّ اختيار الفيلم الجديد للمخرج التونسي علاء الدين سليم في المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارن…