دأب التونسيون منذ فترة على الاحتفال باليوم الوطني للّباس التقليدي وذلك كل يوم 16 مارس من كل سنة وفيه يتم الاحتفاء بتراثنا المتنوع في مجال الملابس ويبرز ذلك سواء في بعض المؤسسات العمومية او في بعض وسائل الاعلام ولكن صورته الأبهى تبرز في المدارس الابتدائية ومحاضن الأطفال حيث يتم إحياء هذا اليوم بشكل طقوسي موغل في الجمال فيجتمع المأكل والملبس والأغاني والموسيقى.
ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير والتي ساهمت بشكل كبير في التعريف بالكثير من خصائصنا الثقافية والحضارية انتشر أيضا لباسنا التقليدي ونال اعجاب الكثير من الاشقاء العرب حتى ان بعض النجوم الكبار أصرّوا على الظهور بالجبة التونسية وبعض النجمات يرتدين أيضا الحلي التقليدي التونسي وبعض قطع الملابس. وكل هذا من باب الإيجابيات لكن علينا ان لا نغفل عما يجب ان يقال في هذه المناسبة.
وهنا تجدر الإشارة الى انه في السنوات الأخيرة ومع تدهور المقدرة الشرائية للتونسي في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة اصبح اليوم الوطني للباس التقليدي يمر بشكل باهت حتى ان البعض يتذمر من مطالبة المدارس بضرورة ارتداء هذه الأزياء نظرا لارتفاع اثمانها او حتى معاليم كرائها. وهذا مؤشر سلبي قطعا ويحيل على ان ملابسنا التقليدية مرتفعة الأثمان وليست في متناول الجميع وهناك خاصة غياب واضح لسياسات جدية لترويجها وجعلها علامات تجارية قادرة على المنافسة.
ولا يقتصر الامر فقط على لباسنا التقليدي فتراثنا المادي واللامادي أيضا يتعرض الى التهميش والإهمال وأيضا هناك تهديدات من نوع اخر فبعض المحسوبين على النخب في بعض الدول الشقيقة يقومون بعملية «سطو» حقيقي على هذا التراث وينسبونه لأنفسهم دون ان نشهد حملة مضادة من قبل بعض نخبنا وقادة الرأي لدينا واغلبهم يتعامل مع الموضوع باستخفاف ويكتفي بالسخرية والاستهزاء مع أن الامر جدي فعلا.
ولعلّه من المهم هنا التأكيد على ان بلادنا تمتلك تراثا ماديا ولاماديا كبيرا وينبغي صونه وحمايته عبر الصيانة المادية وعبر الترويج له عالميا ليندرج في قائمة التراث العالمي الموجود في تونس ثم عبر تسويقه تجاريا من خلال استقطاب السياحة الثقافية وإدراج مسالك سياحية جديدة تدخل في اطارها المواقع والمعالم الاثرية والمتاحف الانثروبولوجية او من خلال إيجاد علامات تجارية للمنتوج التونسي التقليدي من ملابس وحلي وحقائب وغيرها ويمكن ان تجد مكانا لها في الأسواق العالمية كعلامات تونسية ذات جودة وخصوصية.
وهذا لا يتم إلا بتشجيع الحرفيين على تطوير هذه الصناعات وصونها من الاندثار خاصة وان اغلبها يتم توريثها داخل العائلة الواحدة ومع عزوف الشباب على ممارسة هذه المهن هناك خطر لتلاشيها بشكل نهائي.
كما أنه من الأكيد جدا التعريف بهذه المنتوجات في كل التظاهرات والمعارض الدولية لتأصيل هويتها ونسبتها الى تونس حتى لا يتم السطو عليها بشكل علني.
فالأكيد ان تثمين تراثنا واعلاء مكانته والمحافظة عليه هو من أوكد الواجبات اليوم. فلا يكفي ان يكون احتفالنا موسميا في اطار شهر التراث او اليوم الوطني للباس التقليدي ثم ينسى هذا الموضوع على امتداد السنة بل علينا تركيز سياسات عمومية جادة من اجل النهوض بتراثنا وتطويره والمحافظة عليه وهو ما من شأنه ان يجعل منه أحد روافد الاقتصاد الوطني من ناحية ومن ناحية أخرى ضرورة حمايته باعتباره احد مرتكزات الهوية الوطنية التي لا ينبغي المساس بها او التفريط فيها خاصة في ظل ظاهرة التنازع على «ملكية» «الأصول الثقافية والحضارية» في محيطنا الإقليمي حتى ان هناك صورا مفبركة تجوب مواقع التواصل الاجتماعي تنسب معالمنا الأثرية الشهيرة الى بلدان أخرى أما عن تراث المطبخ التونسي فحدّث ولا حرج. اما الشخصيات الاعتبارية والرمزية فهناك حديث كثير حولها ولعل ما حف بشخصية العلامة عبد الرحمان بن خلدون وتاريخه ونسبته الى هذا البلد او ذاك يستحق ان نعتبر منه حتى بيت قصيد إرادة الحياة للشاعر الخالد أبي القاسم الشابي الذي تلهج به ألسنة الأحرار في كل مكان وزمان البعض ينسبه أحيانا لغيره عن خطإ أو تعمّد.
وصفوة القول هنا إن تونس عليها ان تنكب على الاهتمام بتراثنا وثقافتنا الضاربة في أعماق التاريخ وان تؤسس لسياسيات عمومية ذكية ومبتكرة في هذا الصدد وعلى وزارة الثقافة بالتحديد ان تنهض بهذه المسؤولية على الوجه الأكمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…