يرتبط أساسا بالقدرة على جلب الاستثمارات الخارجية : تعافي الاقتصاد الوطني لن يكون سهلا ولكنه ممكن
تتالت أزمات الاقتصاد الوطني سنة تلو الاخرى دون أن يجد المخرج نحو تعافيه من العلل الكثيرة التي أصابت أعضاءه الحيوية التي باتت غير قادرة على تحقيق توازنها المالي والمردودية المالية كما كانت عليه من قبل, وأسباب ذلك كثيرة لعل أبرزها تأخر مرور الدولة نحو القيام بالإصلاحات اللازمة والمستعجلة التي أصبح الواقع الإقتصادي يفرضها بشدة بسبب التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية كما الوطنية. فالسياسات الاقتصادية المعتمدة منذ السبعينات والستينات لم تعد تعطي أكلها خاصة أن مظاهر الإخفاق أصبحت جلية لدرجة أنها أصبحت تنذر بانهيار الاقتصاد في أكثر من مرة لكن السياسات التي كانت تعتمدها الحكومات المتعاقبة منذ 2011 لم تكن لها شجاعة إتخاذ القرارات اللازمة بل كانت مجرد سياسات ذر رماد على العيون و أو ما يسمى بقرارات إطفاء الحرائق التي يتم بموجبها معالجة المشاكل الاقتصادية المطروحة بشكل آني دون وضع مخططات او برامج إقتصادية واضحة ورسم الأهداف المرجوة وهو ما عمق الأزمة وراكمها وأغرق البلاد في المديونية وساهم في تسجيل المؤشرات الإقتصادية لأدنى مستوياتها لتصل إلى نسبة نمو سنوي دون 0 بالمائة ونسبة تضخم هي الأعلى وصلت لـ10 بالمائة إلى جانب تراجع الناتج المحلي الإجمالي وتعمق العجز التجاري وتراجع الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية .
ومع تواصل الانتظارات والتطلعات نحو بوادر الإنفراج والخروج من منطقة الخطر الإقتصادي وإمكانية إفلاس الدولة ووقوع انهيار مالي , جاء في تصريح اعلامي لوزيرة المالية والمكلفة بتسيير وزارة الاقتصاد والتخطيط سهام بوغديري نمصية أن سنة 2024 ستكون صعبة ولكن يمكنها أن تكون منطلقا لبداية التعافي الاقتصادي. وبينت أنه من الممكن تحقيق قيمة مضافة ونسب نمو محترمة معتبرة أن هذه المؤشرات تجعل من سنة 2024 وما جاء في قانون المالية من توازنات مالية تطرح تحديات والتزامات وتعهدات جديدة وأرقاما مهمة على مستوى الإيفاء بتعهدات تونس المالية الخارجية لكن يمكن تجاوزه بما وفرته الدولة من ضمانات وأرضية للعمل الاقتصادي بأريحية كما كشفت أن الدولة وفرت تحفيزات وإجراءات ضمن قانون مالية 2024 تضمن للفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال والمستثمرين أرباحهم وتحقق القيمة المضافة وتنمي الاستثمار الخاص والعام مع ضمان حق الدولة في الضرائب المستوجبة.
وانطلاقا من هذا التصريح وما جاء فيه على لسان الوزيرة من توقعات تبدو موثوقة في ما يخص إمكانية تحسن الأوضاع الإقتصادية بتونس تطرح عدة أسئلة في ما يخص سبل تحقيق هذه الأهداف ووفق أي برنامج سيقع العمل على الدفع نحو تنشيط الإقتصاد الذي يبقى الاستثمار الحلقة الأهم فيه لأنه الكفيل بخلق الثروة وتوفير مواطن الشغل وتحقيق القيمة المضافة .
فرغم بعض المؤشرات التي تبدو إيجابية وعلى رأسها استخلاص الجزء الأكبر من ديون تونس الخارجية والذي أهلها للحفاظ على ترقيمها السيادي إلا أن التحدي الأكبر يبقى مطروحا خلال هذه السنة بالترفيع في نسبة النمو الإقتصادي وتحسين مردودية عدة قطاعات شهدت تراجعا في السنوات الماضية خاصة منها الفسفاط الذي كانت صادراته توفر مداخيل هامة من العملة الصعبة إلى جانب قطاعات أخرى واعدة على غرار زيت الزيتون الذي شهدت أسعاره إرتفاعا ملحوظا في السوق العالمية.
و لعل الدفع نحو جلب الإستثمارات الخارجية وتشجيع الإستثمار الداخلي يبقى الرهان الأكبر الذي يستوجب إجراءات خصوصية وتشجيعات خاصة على مستوى تبسيط لإجراءات وتجاوز تلك البيروقراطية المقيتة التي أجهضت عدة مشاريع قبل ولادتها كما أن إدماج الإقتصاد الموازي الذي يمثل أكثر من نصف الإقتصاد يبقى كذلك من التحديات التي يجب على الدولة الإشتغال عليها من أجل تحقيق العدالة الجبائية وضمان مداخيل هامة لخزينة الدولة يتهرب من دفعها بارونات التجارة غير المنظمة .
يذكر أن البنك الدولي يتوقع تسجيل نسبة نمو بـ 3 بالمائة في 2024 و2025،في تونس وفق ما أظهره أحدث تقرير خصّص للآفاق الاقتصاديّة العالمية.
الدورة 38 لأيام المؤسسة من 5 إلى 7 ديسمبر المقبل : طرح للمستجدات الاقتصادية و كيفية التأقلم معها محليا و عالميا
تحت شعار «المؤسسة والتحولات الكبرى: التأقلم والفرص المتاحة» ستحتضن جوهرة الساحل سوسة فعالي…