بيع الملاوي، جمع البلاستيك ، «حمّال» في سوق الخضر، سمسار : «دكاترة وأكاديميون» في مهن هامشية..!
محمد علي ثامري متحصل على الدكتوراه في الفيزياء يشتغل اليوم في محل لبيع االملاوي ركن كل المعارف جانبا بعد أن استنفد كل الحلول في نيل حقه في الشغل في دولة الا تحترم نخبها ……محمد علي لا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يقنع ابنه بالمثابرة على الدراسة لبلوغ مراده لان الواقع يفنّد كل أقواله وحججه وهو المتحصل على أعلى شهادة ولكنها بلا معنى ما لم تشفع له في أن يكون في أحد المخابر أو بجامعة من الجامعات ينفع بلاده بزاده المعرفي.
يقول محمد علي ثامري انه عار على الدولة أن يكون هذا حال نخبها وكفاءاتها وقد بلغ بهم الذل مبلغه فمنهم من يعمل حمّالا في سوق الجملة وهو متحصّل على الدكتوراه في التجارة العالمية ومنهم من يعمل في جمع البلاستيك وبيعه وهو متحصل على الدكتوراه في الكيمياء وقد بلغ عمره 50 سنة بالإضافة إلى من يشتغل درابكي مع فرقة موسيقية في الصيف متحصل على الدكتوراه في الموسيقى أما عن المتحصل عن الدكتوراه في العلاقات الاجتماعية فقد وجد نفسه يشتغل سمسارا هي عينة نسوقها لكم عن حال نخب البلاد ومعاناتهم …فضيحة دولة بامتياز ستكتب بأحرف دامية في سجل كل الحكومات التي كانت سببا في هذا الوضع المذل لنخبة البلاد…نخبة البلاد تحدثت بمرارة عن حجم الخذلان والقهر…وكل المحطات التاريخية تشهد على حجم المعاناة والتهميش ….
فلقد عانى الدكاترة الباحثون المعطّلون عن العمل الويلات وهم يخوضون معركة التحرر من كابوس البطالة الجاثم على صدورهم وتحمّلوا ليالي الشتاء الطويلة قرابة سنتي اعتصام أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والوعود الزائفة التي كانت تتقاطر من كل الجهات فما زادهم ذلك إلا يقينا بحتمية مواصلة النضال من اجل حقهم المشروع .
وتتالت السنون و طال أمد الانتظار وبدأ هذا الحلم يتلاشى و يتبدّد وخفت وغابت الأمنيات وخابت كل الانتظارات وكان الخذلان كافيا للعصف بكل الأحلام ولم تكن الحلول الترقيعية سوى مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع لنخبة متعطّشة للعمل ولنفع البلاد ولكن الأقفال كانت ثقيلة وأوصدت كل الأبواب أمامهم وكان الوضع الاقتصادي الشماعة التي علّقت عليها التفسيرات وتبريرات الفشل في حل ملفهم…
شق كبير من الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل تركوا الزاد المعرفي جانبا وتوجهوا لسوق الشغل للعمل بعد أن فقدوا الثقة في الدولة وبعد أن خذلتهم، وعن أي شغل نتحدث في بلد، فقدت فيه حكومات ما بعد ثورته كل قيم وأخلاقيات الحكم والمسؤولية وغلب على أدائها التخبط والارتجال والمحاباة والمحسوبية.إننا إزاء مفارقة عجيبة، لا يستقيم معها أي وصف ولا يستوي فيها أي منطق فاقدة لأي عمق، خالية من كل صدق، أمام حجم التهميش والمعاناة التي تعرفها نخبة البلاد وطليعتها….يسايرون الزمن بالانتظار، ولاشيء غيره إنها فضيحة دولة بامتياز … عرفوا فيها كل أنواع الإذلال واكتشفوا صنوفا وأشكالا مختلفة من السلوكيات التي لم تكن في الحسبان، من تجاهل ووعود من أطياف مختلفة من السياسيين وتنكيل ومساندة حقيقية وتعاقبت عليهم الضربات واللكمات كتعاقب الفصول الأربعة . اعتصموا انتفضوا واحتجوا وآخرها كان حراك الأقدام الحافية في رسالة موجهة لرئيس الجمهورية في انتظار انصافهم الذي يبدو انه طال وأصبح بمثابة دهر من الزمن على حد تعبيرهم فقد كانت فترة الانتظار لسنوات أشد فتكا بأحلامهم من فترة المعاناة والتضحيات الدراسية وسهر الليالي طلبا للعلم …تحدثوا عن التضحيات التي قدموها سنوات الدراسة وعن االحقرةب من الدولة معتبرين أنهم يمثلون أعلى شهادة في المستوى العلمي ولكنهم اليوم أسفل السافلين.. كانوا مقبلين على الحياة وسعادة الارتقاء في السلم المعرفي لا تضاهيها سعادة لم يعلموا أن ليال من القهر والسهاد تنتظرهم وان مفقري العلم والمعرفة قد سبقوهم بخطوات ومنهم من يسير دواليب الدولة،حين كانوا منغمسين في التعلم كانت الثورة قد ألقت بهواة أكلوا الأخضر واليابس وفتكوا بالدولة وأغلق باب التناظر الذي هو حق من حقوقهم وحرموا من هذا الحق لمدة سنوات …وطلب منهم حينها راشد الغنوشي تعلم صنعة!سحلوا في الشوارع وخاضوا معركة الأمعاء الخاوية وعنفوا….بعضهم يصارع المرض وآخرون غادروا الوطن نحو وجهة أفضل وفي قلوبهم مرارة الخذلان…بعد أن تنكرت الدولة لنخبتها …كل الحكومات مُدانة!في تخليها عن نخبتها التي علمتها وكونتها ثم تقدمها على طبق جاهز لدول أخرى للاستفادة من زادها المعرفي….أو تتركها في هكذا حال تتعامل مع التهميش بالممكن والمتاح وتكون الشهادة مجرّد ورقة توضع ضمن أرشيف وتترك جانبا فهؤلاء الذين سحلوا في شوارع تونس هم الأشخاص أنفسهم الذين يبتكرون ويخترعون ويحصدون الجوائز العالمية…هؤلاء الذين يشتغلون في مهن متعددة عددنا البعض لو فتحت لهم الأبواب لوجدوا الحلول لمشاكل الدولة في كل مجالاتها.
إن ايلاء الكفاءات الأهمية اللازمة والحظوة المستحقّة وعدم تهميشها ضرورة لا تستحق التذكير بها لعمق إيماننا بمدى قدرتها على تقديم الإضافة في كل المجالات ونخط هذه الأسطر ونحن نستمع لقصص تروى عن حياة الإذلال والمهانة لشق كبير من الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل أولائك الذين لم تنصفهم الدولة ومازال مستقبلهم مجهولا إلى يومنا هذا ،اضطروا مكرهين للعمل في ظروف مهينة ودخلوا اسوق التشغيل الهشب ولم يشفع لهم زادهم المعرفي ، ولكن الظروف مجتمعة لم تحل دون مواصلتهم تطويع علومهم للابتكار والإبداع التهميش واللامبالاة و دفعت العديد منهم للبحث عن حلول عملية بإمكانياتها الذاتية ومن الضروري اليوم العمل على تمكين الدكاترة المعطلين من حقهم المشروع عوض تهميشهم أو تسهيل هجرتهم باعتماد جملة من الأساليب التي تدفعهم إلى تفضيل العمل في بلدان أخرى غير بلدهم وهو ما يمثل إهدارا لثروة البلاد ونزيفا يجب العمل على إيقافه…
إن تمكن كفاءاتنا من مسك ناصية العلوم وتطويعها لم يشفع لهم ولم يمكنهم من حقهم المشروع في العمل رغم تميزهم وليس هذا حدثا مستجدا ولا أمرا غير مألوف، فلقد سجل التاريخ بين ثنايا صفحاته عديد المحطات المضيئة التي ساهم في إنارتها تونسيون وذلك في العديد من المجالات والأنساق منذ أحقاب، منها على سبيل الذكر لا الحصر اكوروناب فقد ضربت تونس لها موعدا مع التاريخ بفضل كفاءاتها في هذه المحطة التاريخية في العديد من المناسبات ….وتؤكد محدثتنا أنه عندما تُفتح الأبواب للدكاترة الباحثين وتُؤمّن لهم ظروف العمل يبدعون ويمكن الاستفادة من زادهم المعرفي ، وترفع هذه النخبة علم البلاد عاليا داخل وخارج الوطن …وقد آن الأوان لإنصاف نخبة البلاد ….الآن وليس غدا.
إستهداف المربين والمؤسّسات التربوية : السيناريو يتكرّر … و العنف بلغ درجة عالية من الخطورة
المنظومة التربوية في حاجة أكيدة اليوم للبناء على أسس صلبة تقطع مع كل التشوّهات التي طالت…