2023-11-14

مناقشة ميزانية وزارة النقل : هل ستأخذ بعين الاعتبار الهنات والإشكالات التي يعاني منها قطاع النقل في تونس؟

يتفق‭ ‬جميع‭ ‬المتدخلين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الكبرى‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬مالية‭ ‬ومعظمها‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬كلها‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬ديون‭ ‬بملايين‭ ‬الدينارات‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬التعيينات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الثورة‭.‬

هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬الهيكلية‭ ‬والإدارية‭ ‬والمالية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬يتسم‭ ‬بها‭ ‬نظام‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬وتداعيات‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يذوقون‭ ‬الويلات‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬ذهابهم‭ ‬للعمل‭ ‬أو‭ ‬الدراسة‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬عديد‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأخرى‭ ‬بسبب‭ ‬الاكتظاظ‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬السرقة‭ ‬والبراكاجات‭ ‬والعنف‭ ‬المسلط‭ ‬على‭ ‬الحرفاء‭ ‬وعلى‭ ‬أعوان‭ ‬النقل‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

وتتم‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بداية‭ ‬مناقشة‭ ‬ميزانية‭ ‬وزارة‭ ‬النقل‭ ‬لسنة‭ ‬2024،‭ ‬حيث‭ ‬يتساءل‭ ‬المتدخلون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬والشأن‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ميزانية‭ ‬وزارة‭ ‬النقل‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬ستأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬كل‭ ‬الهنات‭ ‬والإشكاليات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭.‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬أنه‭ ‬وطبقا‭ ‬للتشريع‭ ‬الجاري‭ ‬به‭ ‬العمل‭ ‬يمول‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬الجماعي‭ ‬من‭ ‬المداخيل‭ ‬المتأتية‭ ‬من‭ ‬مستعمليه‭ ‬حسب‭ ‬التعريفات‭ ‬المحددة‭ ‬ومن‭ ‬المداخيل‭ ‬والتحويلات‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬لتعويض‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬المداخيل‭ ‬الحاصل‭ ‬من‭ ‬مجانية‭ ‬النقل‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬خطوط‭ ‬غير‭ ‬مجدية‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬المستفدين‭ ‬غير‭ ‬المباشرين‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬طبقا‭ ‬للقانون‭ ‬عدد‭ ‬33‭ ‬لسنة‭ ‬2004‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬أفريل‭ ‬2004‭ ‬المتعلق‭ ‬بتنظيم‭ ‬النقل‭ ‬البري‭.‬

كما‭ ‬تضمن‭ ‬مشروع‭ ‬ميزانية‭ ‬2024‭ ‬أيضا‭ ‬بخصوص‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬أهمية‭ ‬التعويض‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬فإنه‭ ‬يبقى‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬التعريفة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬وضعية‭ ‬الشركات‭ ‬العموميةللنقل‭ ‬ونوعية‭ ‬الخدمات‭ ‬وبالتالي‭ ‬تردّي‭ ‬منظومة‭ ‬التنقل‭ ‬وبروز‭ ‬إشكاليات‭ ‬أثرت‭ ‬تسلبا‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبيئية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

‭ ‬وأوضح‭ ‬المشروع‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬وبهدف‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬بديلة‭ ‬لتمويل‭ ‬النقل‭ ‬الحضري‭ ‬المستدام‭ ‬يقترح‭ ‬إحداث‭ ‬حساب‭ ‬تمويل‭ ‬التنقلات‭ ‬الحضرية‭ ‬يتولى‭ ‬معاضدة‭ ‬مجهود‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬بعض‭ ‬عمليات‭ ‬تعهد‭ ‬وصيانة‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمعدات‭ ‬للنقل‭ ‬العمومي‭ ‬الحضري،‭ ‬وتمويل‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخصوصية‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمبتكرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنقلات‭ ‬الحضرية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدراسات‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بالتوجهات‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنقلات‭ ‬الحضرية‭.‬

بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬وعي‭ ‬جماعي‭ ‬لدى‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬بضرورة‭ ‬معالجة‭ ‬مسألة‭ ‬التنقل،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬إصلاح‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الحكومية‭ ‬تدرك‭ ‬عجز‭ ‬أنظمة‭ ‬التنقل‭ ‬الحضري‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المنشود‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬استراتيجية‭ ‬متماسكة‭ ‬للنقل‭ ‬والتنقل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬وإلى‭ ‬حدود‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تفض‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬ناجعة‭ ‬وملموسة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬المتعددة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدولة‭ ‬لوضع‭ ‬سياسات‭ ‬نقل‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭ ‬وخطط‭ ‬لإعادة‭ ‬الهيكلية،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬سوى‭ ‬القليل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬أنظمة‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬التدهور‭.‬

كل‭ ‬الأسباب‭ ‬السالف‭ ‬ذكرها‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬اهتراء‭ ‬الأسطول‭ ‬مرورا‭ ‬بالاكتظاظ‭ ‬والتأخير‭ ‬وأعمال‭ ‬التخريب‭ ‬والعنف‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬البيع‭ ‬المشروط‭ ‬عند‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الحريف‭ ‬حسب‭ ‬الذوق‭ ‬وبعد‭ ‬المسافة‭ ‬وتسمع‭ ‬دائما‭ ‬عبارة‭ ‬اماكش‭ ‬في‭ ‬ثنيتيب‭ ‬تعمق‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬سكان‭ ‬العاصمة‭ ‬وروادها‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬الأخرى‭ ‬المجاورة‭ ‬لقضاء‭ ‬شؤونهم‭ ‬فلا‭ ‬يجدون‭ ‬سوى‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية‭ ‬في‭ ‬التنقل‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مجهودات‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينكرها‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الأزمة‭ ‬وبحاجة‭ ‬لأكثر‭ ‬دعم‭ ‬أولا‭ ‬لمزيد‭ ‬تشخيص‭ ‬واقع‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بالأرقام‭ ‬ووضع‭ ‬خطة‭ ‬وطنية‭ ‬قريبة‭ ‬المدى‭ ‬وأخرى‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حلحلة‭ ‬كل‭ ‬الإشكالات‭ ‬حلا‭ ‬جذريا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬الترقيعية‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬عدم‭ ‬جدواها‭ ‬وفشلها‭ ‬سابقا‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬اعتمادات‭ ‬ضخمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬لوزارة‭ ‬النقل‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬عملها‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الهياكل‭ ‬الرقابية‭ ‬للدولة‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مبدإ‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬ومنها‭ ‬شركات‭ ‬النقل‭ ‬الوطنية‭ ‬والجهوية‭ ‬لتحديد‭ ‬الأسباب‭ ‬العميقة‭ ‬لتدهور‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصحافة اليوم» : الامتحانات تستأثر بقسط مبالغ فيه من أيّام الدّراسة وترهق التّلاميذ والمربّين والإداريّين والأولياء

ما من شك أن الامتحانات ماهي إلا وسيلة لقياس المستوى التحصيلي الدراسي للطالب بعد عام دراسي …