2024-03-04

المخدرات تغزو الوسط المدرسي والضحايا أطفال ..!؟ التفكك الأسري ساهم بنسب كبيرة في تفاقم استهلاك المخدرات

استفحلت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة استهلاك المخدرات بمختلف أنواعها في صفوف الشباب التونسي بشكل ملفت لتخلّف أرقاما مهولة للمستهلكين والمروجين على حدّ سواء.

وانتشر استهلاك المواد المخدرة في صفوف الشباب بعمر الدراسة، وأصبحت ظاهرة بالإمكان ملاحظتها في الجامعات والمعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية بين الذكور والإناث.

وجوه يظهر عليها تعب الاستهلاك وحتى علامات الإدمان، هذا ما تؤكده التقارير الأمنية بشكل يومي من خلال ضبط بعض المدمنين أو حتى المروجين أمام المؤسسات التعليمية. وبات انتشار المخدرات في مدارس تونس مصدر قلق للمنظمات العاملة في مجال مكافحة الإدمان والمربين والعائلات على حد سواء.

وتضاعف استهلاك التلاميذ التونسيين للمخدرات خمس مرات خلال العقد الأخير، من 2013 إلى 2023، أي من 1.3 في المائة عام 2013 إلى 8.9 في المائة سنة 2023، وذلك وفق مسح وطني قام به المعهد الوطني للصحة بتونس.

وتدعو بعض الجهات المعنية إلى وضع خطة وطنية لمكافحة الإدمان على المخدرات بين أطفال المدارس، ولعلّ النتائج التي كشفتها دراسة أعدّتها الجمعية التونسية لطب الإدمان خير دليل حيث أشارت هذه الدراسة إلى أن نصف التلاميذ في تونس جربوا التدخين والمخدرات، وأنه يوجد أكثر من 400 ألف مدمن على المخدرات والكحول، إضافة إلى 33 ألف يتعاطون المخدرات من خلال الحقن إجمالا.

وقد دعت مكونات المجتمع المدني وخاصة تلك التي تهتم بالظواهر الاجتماعية الخطيرة إلى ضرورة تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة الخطيرة خاصة أنه خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت المخدرات بأنواعها متاحة لكل الفئات تقريبا سيما في الوسط المدرسي وانتشار المخدرات ساهم في تنامي الجريمة والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم. وهنا تطرح مسألة أسباب إقبال الشباب بصفة عامة والتلاميذ على وجه الخصوص على المخدرات وهي كثيرة ومتعددة وفق المختصين في مجال علم الاجتماع على غرار التفكّك الأسري والطلاق والدلال المفرط.

ويوجد إجماع على أن الحدّ من استهلاك المخدرات في محيط المعاهد الثانوية التونسية، يتجاوز جانبه الأمني ليشمل معالجة العلاقة بين المربي والتلميذ والاهتمام بدور المتخصصين الاجتماعيين والنفسيين، فضلا عن استرجاع العائلة لدورها التقليدي في التربية.

مجهودات أمنية لكنها غير كافية!!!

ومن فترة إلى أخرى، تتمكن وحدات الإدارة العامة للديوانة بالتنسيق مع وحدات الإدارة العامة لشرطة الحدود والأجانب في إطار التصدي للشبكات المختصة في تهريب المخدرات بجميع أنواعها، من ضبط كميات مهمة من المواد المخدرة.

وأرجع سامي نصر الباحث في علم الاجتماع أبرز أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى انتشار ثقافة الإحباط والفشل وغياب الحلول الجذرية للمشاكل التي يتخبط فيها الشباب التونسي. ولفت بن نصر إلى قضية التفكك الأسري التي ساهمت بنسب كبيرة في تفاقم استهلاك المخدرات خاصة لدى الأطفال وطلاب المدارس والجامعات. وأوضح في هذا الصدد أن نسق الحياة المرتفع يجبر الأمهات والآباء على وجودهم خارج منازلهم للعمل وبالتالي تغيب مساحات الالتقاء بالأبناء للعناية بهم وتأطيرهم «ما يترك الأبواب مشرعة أمام هؤلاء لسلك طريق الإدمان وأنواع أخرى من الجريمة».

وقال إن مسألة الإدمان وتعاطي المواد المخدرة، ترتبط بعاملين أساسيين؛ أولهما الهشاشة النفسية للطفل أو المراهق الذي يبحث عن حب التجربة والمخاطرة، والثاني هو تراجع دور المؤسسة التربوية وهشاشة الأسرة اللذان يكونان دافعا للمراهقين نحو الهروب من الواقع.

مسؤولية الجميع!!!

واعتبر  نصر أن أسباب تفاقم الظاهرة بعد الثورة تتمثل خصوصا في انتشار مظاهر الفقر والتخلف والتهميش والتفكك الأسري وانعدام الرقابة الأسرية إلى جانب الضغوط النفسية نتيجة الفشل والإحباط أو الشعور بالنقص والانقطاع المبكر عن الدراسة بالإضافة إلى مظاهر التفكك الأسري وظهور حالات الانفصال والطلاق هي أساسا نتيجة لسلوك المتعاطي للمواد المخدرة والمتمرد عادة على سلطة الأبوين وسلطة المجتمع، مبرزا أن الإدمان له كلفة اقتصادية إضافية تثقل كاهل ميزانية الأسرة إضافة إلى إهدار قدرتها المالية في العلاج وإعادة التأهيل، هذا إلى جانب ارتفاع الكلفة على المجتمع والدولة، كإهدار رأس المال البشري، وارتفاع الوفيات في صفوف المتعاطين، وارتفاع النفقات المتعلقة بالعلاج.

وقال  نصر أنه يجب التعامل مع هذه الظاهرة من خلال سوسيولوجيا الفرص المتاحة، أي أن الحصول على مخدر القنب الهندي على سبيل المثال أصبح متاحا في تونس أكثر من الحصول على مواد غذائية تفقد من حين الى آخر مشيرا إلى أن جهازا كاملا يعمل على خلق مجتمع مدمن عن طريق الوفرة وسهولة الحصول على المنتوج، وهو ما يجعل استهلاك المخدرات أمرا سهلا. ولفت نصر إلى أن الأرقام المتداولة في وسائل الإعلام من شأنها الترويج للمخدرات بطريقة غير مباشرة، من ذلك الرقم الذي تم تداوله منذ 4 سنوات والذي أكد أن 84 بالمائة من شباب تونس استهلكوا المخدرات ولو لمرة واحدة.

و يقر المختصون في علم الاجتماع والشأن التربوي والشبابي أن مجال مقاومة ظاهرة الإدمان على المخدرات يشهد عدة نقائص، من ذلك عدم وجود خطة وطنية شاملة لمقاومة هذه الظاهرة وعدم ملاءمة القوانين لخصوصية الإدمان إلى جانب انعدام الإمكانيات اللازمة لإرساء مجتمع مدني يعمل على نشر الوعي والإحاطة والوقاية من خطر استفحال هذه الظاهرة.

وبخصوص الحلول الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة، شدّد الدكتور والباحث في علم الاجتماع سامي نصر على أن التوعية في المدارس وعلى المستوى الإعلامي تعتبر من أهم الحلول، حيث يجب تصوير المخدرات في شكلها الحقيقي المتمثل في كونها آفةً فتاكةً تفتك بالفرد وبالمجتمع، وليس كما ينظر الشاب إلى “الزطلة” على أنها منشط حيوي، تزيد من ثقة الفرد بنفسه، وتحسِّن من الوظائف الفكرية والجسدية.

وأشار محدثنا إلى أهمية دور مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني في تكثيف عمليات التوعية حول نظرة الشاب الوردية إلى المخدر المغلوطة والواهمة. واعتبر أنه من أجل الحد من ظاهرة تعاطي المخدرات، لا بد من تحسين العيش اليومي للشباب، وإيجاد فرص للعمل حتى يجد لنفسه وحياته معنىً، وتكون له تفاعلات وعلاقات مع مختلف الأنساق الاجتماعية، فتكون للشاب حياته الاجتماعية التي تسرّه، ولا يكون مضطراً إلى البحث عن مخدر ينقله من حياته الاجتماعية المعطوبة إلى حياة أخرى. وأوضح  بضرورة تحمل كل الأطراف مسؤولياتها للحد من هذه الظاهرة الخطيرة وتقليص الأرقام المرعبة التي تعرضها بعض الدراسات ولعل الواقع أشد خطورة.

الحلول!!!

إذا عُرف السبب بطل العجب، وإذا عُرف الداء سهل الدواء، هذا ما أكده رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية لأولياء التلاميذ، حيث أوضح أن تنامي ظاهرة المخدرات في الوسط والمحيط المدرسي كارثة اجتماعية وثقافية يجب أن نعمل كلنا على الحد منها والقضاء عليها تدريجيا وذلك بضرورة العمل بآليات تعديل السلوك ومراجعة منظومة التأديب والعقاب على أساس تأكيد التعامل بأساليب معرفية تجاه هذه الظاهرة لتكون لها أبعاد تربوية أكثر من أن تكون زجرية وفق محدثنا، وأضاف الزهروني أنه من المهم اليوم إرساء خلايا للإنصات والمتابعة النفسية داخل المؤسسات وترشيد وتعميم استخدام كفاءات التواصل المختصة (علم النفس وعلم الاجتماع).

وأبرز رئيس جمعية أولياء التلاميذ أن الحلول المجدية تتطلب بالتأكيد وضع استراتيجية وطنية عامة للوقاية من ظاهرة العنف ومقاومتها والارتقاء بها إلى مستوى مشروع وطني يجب أن يكون مشفوعا بخطط ميدانية وعملية تتغير من مدرسة تربوية إلى أخرى ومن معهد إلى آخر.

هذه الحلول المقترحة من قبل الجمعية التونسية لأولياء التلاميذ التي عملت قبل طرح هذه الحلول على تشخيص ظاهرة انتشار ظاهرة المخدرات في المحيط المدرسي وتشخيص واقع المؤسسة التربوية العمومية اليوم، حلول قد تكون ناجعة و مؤثرة فقط إذا ما توفرت الإرادة لتنفيذها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في انتظار القطع مع كل أشكال التشغيل الهش : المــــعــــانــــاة مــــســــتـــمـــرة ..!

يمثل ملف التشغيل تركة ثقيلة للحكومة الحالية ظلت عالقة منذ سنوات ولطالما  مثل نقطة ضغط «سيا…