2023-10-19

مسيرات الغضب الشعبي تعمّ البلاد من أقصاها إلى أدناها: تونس تتجنّد عن بكرة أبيها لنصرة أهلنا في فلسطين

لم‭ ‬تهدأ‭ ‬الساحات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للعدوان،‭ ‬وزادت‭ ‬حدة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الجريمة‭ ‬المروّعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الصهاينة‭ ‬وحلفاؤهم‭ ‬الأمريكان‭ ‬ضد‭ ‬المستشفى‭ ‬المعمداني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توصيفها‭ ‬إلا‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬ضد‭ ‬أبناء‭ ‬شعبنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬وبمباركة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تتشدق‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعدل‭ ‬والحرية‭.‬

المواطنون‭ ‬بالعاصمة‭ ‬هبّوا‭  ‬إلى‭ ‬شارع‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬منذ‭ ‬سماع‭ ‬خبر‭ ‬الجريمة،‭ ‬والتحق‭ ‬بهم‭ ‬آخرون‭ ‬وآخرون،‭ ‬وتحول‭ ‬فضاء‭ ‬أمام‭ ‬المسرح‭ ‬البلدي‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬غضب‭ ‬وهتافات‭ ‬ضد‭ ‬المحتل‭ ‬المجرم،‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬كما‭ ‬خرجت‭ ‬الجماهير‭ ‬ليلا‭ ‬في‭ ‬صفاقس‭ ‬وقابس،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭ ‬رافعة‭ ‬شعارات‭ ‬المطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬العدوان‭ ‬والثأر‭ ‬للشهداء‭ ‬البررة‭ ‬ضحايا‭ ‬الغطرسة‭ ‬والإجرام‭.‬

ولم‭ ‬يتأخر‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬عن‭ ‬الاندفاعة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فقد‭ ‬استدعى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الامن‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬ليل‭ ‬الاربعاء،‭ ‬وعقد‭ ‬بهم‭ ‬اجتماعا‭ ‬امتد‭ ‬الى‭ ‬ساعات‭ ‬الصباح‭ ‬الاولى،‭ ‬خصص‭ ‬كله‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬امكانيات‭ ‬الدعم‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬توفرها‭ ‬تونس‭ ‬للأشقاء‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الجرائم‭ ‬المتواصلة‭ ‬للكيان‭ ‬الغاصب‭.‬

في‭ ‬صباح‭ ‬أمس‭ ‬الاربعاء،‭ ‬كانت‭ ‬الدعوات‭ ‬عامة‭ ‬وشاملة‭ ‬لكل‭ ‬الجهات‭ ‬والساحات،‭ ‬وانطلقت‭ ‬الجماهير‭ ‬هادرة‭ ‬بغضب‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬والمعاهد‭ ‬ومن‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬والاسواق،‭ ‬رافعين‭ ‬قبضاتهم‭ ‬ضد‭ ‬المحتل،‭ ‬منادين‭ ‬بالحق‭ ‬والعدل‭ ‬والثأر‭ ‬للشهداء‭.‬

حتى‭ ‬تلاميذ‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬اندفعوا‭ ‬بعفوية‭ ‬وبراءة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬غضبهم‭ ‬الشديد‭ ‬لما‭ ‬يرونه‭ ‬من‭ ‬إجرام‭ ‬وصلف‭ ‬وعنجهية‭ ‬وغريزة‭ ‬قتل‭ ‬متعمد‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬عدوانه‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاما‭ ‬دون‭ ‬رقيب‭ ‬ولا‭ ‬حسيب‭.‬

كما‭ ‬تنادت‭ ‬كل‭ ‬النقابات‭ ‬والجمعيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬والمنظمات‭ ‬الشبابية‭ ‬والطلابية‭ ‬لدعم‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وصدرت‭ ‬البيانات‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬الجهات،‭ ‬تنادي‭ ‬بمناصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬العادلة‭ ‬وبردّ‭ ‬العدوان‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المجرمين‭ ‬والقتلة‭ ‬وردع‭ ‬المعتدين‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الاندفاعة‭ ‬الشعبية‭  ‬الصادقة‭ ‬والموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬الحازم،‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬أطيب‭ ‬الاثر،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬بقية‭ ‬الساحات‭ ‬العربية‭ ‬تشهد‭ ‬انقساما‭ ‬حادا‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬العادلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬شك‭ ‬الى‭ ‬عدالتها‭ ‬والى‭ ‬عنوان‭ ‬القاتل‭ ‬فيها‭ ‬وصفة‭ ‬الضحية،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬قواميس‭ ‬لفهمها‭ ‬وتبرير‭ ‬التخاذل‭ ‬عن‭ ‬مناصرتها‭.‬

وهي‭ ‬اندفاعة‭ ‬تعبّر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬عن‭ ‬تأصّل‭ ‬قيم‭ ‬التضامن‭ ‬والعدل‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬أبناء‭ ‬شعبنا،‭ ‬الذين‭ ‬احتضنوا‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واعتبروها‭ ‬قضيتهم‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬النكبة‭ ‬الاولى‭ ‬في‭ ‬1948،‭ ‬مرورا‭ ‬بكل‭ ‬محطات‭ ‬التاريخ‭ ‬اللاحقة،‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬الاندفاعة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تصرخ‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬حقا‭ ‬مغتصبا‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يعود،‭ ‬وان‭ ‬هناك‭ ‬شعبا‭ ‬أعزل‭ ‬تسارع‭ ‬كل‭ ‬قوى‭ ‬البغي‭ ‬والبطش‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬للإيغال‭ ‬في‭ ‬دمه‭ ‬الطاهر،‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬آن‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬يتوقف‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬آن‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬أصحابه‭.‬

وتونس‭ ‬تسجل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ملحمة‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬الصادق‭ ‬مع‭ ‬فلسطين،‭ ‬وترفع‭ ‬لاءات‭ ‬قوية‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التخاذل‭ ‬العربي‭ ‬والتواطؤ‭ ‬الدولي،‭ ‬وتقول‭ ‬لا‭ ‬للاحتلال‭ ‬ولا‭ ‬للقتل‭ ‬ولا‭ ‬للتهجير،‭ ‬ويسطّر‭ ‬شعبها‭ ‬وقيادتها‭ ‬جنبا‭ ‬الى‭ ‬جنب‭ ‬موقفا‭ ‬خالدا‭ ‬سيدوّنه‭ ‬التاريخ‭ ‬بمداد‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬حين‭ ‬غرس‭ ‬الكثيرون‭ ‬رؤوسهم‭ ‬في‭ ‬الرمال‭ ‬جبنا‭ ‬وخذلانا‭ ‬ووقفت‭ ‬وحدها‭ ‬بشعبها‭ ‬الأبيّ‭ ‬وارادتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقهر،‭ ‬في‭ ‬ظهر‭ ‬أشقائها،‭ ‬تدفع‭ ‬عنهم‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬اليه‭ ‬سبيلا‭.‬

وقد‭ ‬أعطى‭ ‬التونسيون‭ ‬باندفاعتهم‭ ‬هذه‭ ‬درسا‭ ‬للعرب‭ ‬والعالم‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يسجل‭ ‬موقفه‭ ‬ويعبر‭ ‬عن‭ ‬أصالته‭ ‬وتجذره‭ ‬في‭ ‬قيمه‭ ‬ومحيطه‭ ‬ووفائه‭ ‬لتاريخه،‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬ابه‭ ‬خصاصةب‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬ولا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬موقفه‭ ‬رهينة‭ ‬لمعونات‭ ‬زائلة‭ ‬أو‭ ‬اغراءات‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬يده‭ ‬دائما‭ ‬هي‭ ‬العليا‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬ضاقت‭ ‬به‭ ‬السبل‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…