2023-10-16

15 أكتوبر ذكرى الجلاء: ..ومايزال «المستعمر القديم» مستبطنا لفكرة الهيمنة..!

لم‭ ‬تكن‭ ‬معركة‭ ‬الجلاء‭ ‬التي‭ ‬نحيي‭ ‬اليوم‭ ‬ذكراها‭ ‬حدثا‭ ‬عاديا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬المعاصر‭ ‬وفي‭ ‬التأريخ‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬بالتحديد‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬بعدها‭. ‬

فقد‭ ‬واجه‭ ‬التونسيون‭ ‬فرنسا‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بكل‭ ‬جبروتها‭ ‬وغطرستها‭ ‬وتحدوها‭ ‬في‭ ‬ثغر‭ ‬بنزرت‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬معاقلها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحصلت‭ ‬بلادنا‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬وكان‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬1963‭ ‬يوما‭ ‬مشهودا‭ ‬غادر‭ ‬فيه‭ ‬آخر‭ ‬الجنود‭ ‬الفرنسيين‭  ‬أرض‭ ‬تونس‭ ‬يجرون‭ ‬أذيال‭ ‬خذلانهم‭ ‬وخيبتهم‭ ‬وتطاردهم‭ ‬لعنة‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭. ‬

ولعله‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التذكير‭ ‬ونحن‭ ‬نحيي‭ ‬ذكرى‭ ‬جلاء‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬فرنسي‭ ‬عن‭ ‬أرضنا‭ ‬بالأهمية‭ ‬الإستراتيجية‭  ‬القصوى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمثلها‭ ‬مدينة‭ ‬بنزرت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬أهم‭ ‬الثكنات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬ترتبط‭ ‬بجزيرة‭ ‬صقلية‭ ‬بممر‭ ‬بحري‭ ‬جعلها‭ ‬تشكل‭ ‬جسرا‭ ‬بين‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬وأوروبا‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاستفادة‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬بحيرة‭ ‬بنزرت‭ ‬لأغراض‭ ‬حربية‭ ‬بالأساس‭ ‬ودون‭ ‬المضي‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬آل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بسهولة‭ ‬فقرر‭ ‬التونسيون‭ ‬خوض‭ ‬معركة‭ ‬دامية‭ ‬واجهوا‭ ‬فيها‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬الغاشمة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬وغطرسة‭ ‬بأدوات‭ ‬بدائية‭ ‬وبجيش‭ ‬كان‭ ‬بصدد‭ ‬التكوين‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مدججا‭ ‬بالعزيمة‭ ‬والثبات‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬العتاد‭ ‬والأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬نحيي‭ ‬ذكرى‭ ‬الجلاء‭ ‬بكل‭ ‬معاني‭ ‬الفخر‭ ‬والعزة‭ ‬فإنه‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الوطنية‭ ‬عن‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري‭ ‬الثقيل‭ ‬وعن‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬المستعمر‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬وإن‭ ‬غير‭ ‬أدواته‭ ‬ولبست‭ ‬قبضته‭ ‬الحديدية‭ ‬قفازات‭ ‬من‭ ‬الحرير‭ ‬الناعم‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬مستبطنا‭ ‬علاقات‭ ‬الهيمنة‭ ‬القديمة‭ ‬ويعتبر‭ ‬مستعمراته‭ ‬الإفريقية‭ ‬القديمة‭ ‬بمثابة‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريط‭ ‬فيها‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬تونس‭ ‬قطعا‭. ‬

ولعله‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬اليوم‭ ‬القيام‭ ‬بالمراجعات‭ ‬التاريخية‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬علاقتنا‭ ‬بفرنسا‭ ‬ونحن‭ ‬نلاحظ‭ ‬تدخلها‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬في‭ ‬استقلالية‭ ‬القرار‭ ‬التونسي‭ ‬بل‭ ‬وتطاولها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬علينا‭ ‬وآخرها‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬المستفزة‭ ‬الواردة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬الهجرة‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬لمساعدة‭ ‬تونس‭ ‬متجاهلا‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬التاريخية‭ ‬ومتجاوزا‭ ‬كل‭ ‬الأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬خرق‭ ‬واضح‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وكأنه‭ ‬يستبطن‭ ‬الفكرة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬كما‭ ‬صاغها‭ ‬أجداده‭ ‬وهم‭ ‬يرسلون‭ ‬الانثروبولوجيين‭ ‬الأوائل‭ ‬لتحديد‭ ‬”جينات”‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬وفك‭ ‬شيفرته‭ ‬قبل‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الغاشم‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬1881‭. ‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬لا‭ ‬تدخر‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬تذكيرنا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سياق‭ ‬بإرثها‭ ‬الاستعماري‭ ‬وآخر‭ ‬الشواهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬اصطفافها‭ ‬سياسة‭ ‬وإعلاما‭ ‬خلف‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بحرب‭ ‬إبادة‭ ‬معلنة‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬تقوده‭ ‬دواعي‭ ‬ثأرية‭ ‬غريزية‭ ‬سقطت‭ ‬معها‭ ‬كل‭ ‬الأعراف‭ ‬والقوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬الدولية‭ ‬وحتى‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬سقطت‭ ‬الأفكار‭ ‬التحريرية‭ ‬للثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كما‭ ‬روّجها‭ ‬أصحابها‭ ‬وتبناها‭ ‬أحرار‭ ‬العالم‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬معطى‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬علاقتنا‭ ‬بفرنسا‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ونعني‭ ‬بالتحديد‭ ‬عدم‭ ‬الاعتذار‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬جرائمها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الجلاء‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الذكر‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬أيضا‭ ‬وقائع‭ ‬الاغتيال‭ ‬المعلن‭ ‬للزعيم‭ ‬النقابي‭ ‬الشهيد‭ ‬فرحات‭ ‬حشاد‭ ‬والأرشيف‭ ‬التاريخي‭ ‬يعج‭ ‬بالوقائع‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬باريس‭ ‬ضدنا‭ ‬وصفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬الملطخ‭ ‬بالدم‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬إلى‭ ‬مطالبتها‭ ‬بالاعتذار‭ ‬فإننا‭ ‬بذلك‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬على‭ ‬أرضنا‭ ‬وفي‭ ‬حق‭ ‬أهلنا‭ ‬لن‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬السياقات‭ ‬التاريخية‭ ‬قد‭ ‬اتسمت‭ ‬بالمرونة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬المهادنة‭ ‬فإن‭ ‬اللحظة‭ ‬الآن‭ ‬تبدو‭ ‬مواتية‭ ‬للقيام‭ ‬بالمراجعات‭ ‬اللازمة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…