2023-10-16

متى تُعالج ملفات بهذا الحجم من «الخراب»؟ عودة التهديد بالإضراب وتواصل الاعتصام في شركات البستنة «الوهمية»..!

في‭ ‬تطور‭ ‬لافت،‭ ‬أصدر‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬الجمعة،‭ ‬الاتحاد‭ ‬الجهوي‭ ‬للشغل‭ ‬بتطاوين‭ ‬برقية‭ ‬دعا‭ ‬فيها‭ ‬عمال‭ ‬البيئة‭ ‬والغراسات‭ ‬والبستنة‭ ‬إلى‭ ‬الإضراب‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬يومي‭ ‬24‭ ‬و25‭ ‬أكتوبر‭ ‬الجاري‭ ‬ردّا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سمّاها‭ ‬سياسة‭ ‬االمماطلة‭ ‬المتعمّدةب‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬الأجور‭ ‬في‭ ‬آجالها‭ ‬واعدم‭ ‬تطبيق‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬السابقةب‭.‬

وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬الاضراب‭ ‬بعد‭ ‬اعتصام‭ ‬استمر‭ ‬منذ‭ ‬اسابيع،‭ ‬وانتقل‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬المقر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للشركة،‭ ‬الى‭ ‬أمام‭ ‬مقرّ‭ ‬الولاية،‭ ‬تنفذه‭ ‬العناصر‭ ‬النقابية،‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتفعيل‭ ‬اتفاقات‭ ‬سابقة،‭ ‬أهمها‭ ‬تصنيف‭ ‬الشركة‭ ‬طبقا‭ ‬لمحضر‭ ‬اتفاق‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020،‭ ‬وتفعيل‭ ‬الزيادات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الاجور‭ ‬بعنوان‭ ‬سنوات‭ ‬2023-2024-2025،‭ ‬وتحيين‭ ‬شبكة‭ ‬الأجور‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الاجر‭ ‬الادنى‭ ‬المضمون،‭ ‬وصرف‭ ‬المفعول‭ ‬الرجعي‭ ‬لتعديل‭ ‬زيادتي‭ ‬2015-2016،‭ ‬وصرف‭ ‬الأجور‭ ‬في‭ ‬آجالها‭.‬

وللتذكير‭ ‬فهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الاولى‭ ‬التي‭ ‬يخوض‭ ‬فيها‭ ‬عمال‭ ‬واطارات‭ ‬الشركة‭ ‬المذكورة‭ ‬اضرابات‭ ‬واعتصامات‭ ‬واحتجاجات،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬رياضة‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة،‭ ‬ولعل‭ ‬أشهرها‭ ‬انهائياتب‭ ‬الكامور،‭ ‬التي‭ ‬اطلع‭ ‬خلالها‭ ‬التونسيون‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬ملف‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬بالغريب‭ ‬او‭ ‬العجيب‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬الخيالي‭.‬

فالشركة‭ ‬قامت‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬اتفاقات‭ ‬وهمية،‭ ‬مؤقتة،‭ ‬وفرضتها‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬ان‭ ‬تشتري‭ ‬سكوت‭ ‬الناس،‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬مقابلها‭ ‬مجموعة‭ ‬محترفة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬وتتقن‭ ‬فن‭ ‬الابتزاز،‭ ‬فكرّست‭ ‬وضعا‭ ‬قانونيا‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬خاص‭ ‬يؤمّن‭ ‬أجورا‭ ‬لعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يقدّموا‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬عمل،‭ ‬بل‭ ‬وأغلبهم‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬سافر‭ ‬الى‭ ‬الخارج،‭ ‬وفيهم‭ ‬من‭ ‬رحل‭ ‬ومن‭ ‬مات‭ ‬ومن‭ ‬أصبح‭ ‬تاجرا‭ ‬ومن‭ ‬ارتحل‭ ‬في‭ ‬ارض‭ ‬الله‭ ‬الواسعة،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬مازال‭ ‬يستلم‭ ‬راتبه‭ ‬كل‭ ‬آخر‭ ‬شهر،‭ ‬ويطالب‭ ‬بالزيادات‭ ‬والمنح‭ ‬وحتى‭ ‬بتفعيل‭ ‬المفعول‭ ‬الرجعي‭ ‬لزيادات‭ ‬وقع‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬و2016‭.‬

اللمسات‭ ‬الاخيرة‭ ‬التي‭ ‬قنّنت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وأضفت‭ ‬عليها‭ ‬الصبغة‭ ‬القانونية‭ ‬وصيّرتها‭ ‬وضعا‭ ‬قائما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التراجع‭ ‬فيه،‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكومة‭ ‬الشاهد،‭ ‬وأمضى‭ ‬عليها‭ ‬الوزير‭ ‬عماد‭ ‬الحمامي‭ ‬والسيد‭ ‬منصف‭ ‬عاشور‭ ‬بصفته‭ ‬مكلفا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬وأمضى‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬المقابل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬المنطقة،‭ ‬أغلبهم‭ ‬غادر‭ ‬البلاد‭ ‬نحو‭ ‬صربيا،‭ ‬والبقية‭ ‬فيهم‭ ‬اثنان‭ ‬محكومان‭ ‬وواحد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فرار‭.‬

الجميع‭ ‬يعرف‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬لا‭ ‬تشتغل،‭ ‬ولم‭ ‬ولن‭ ‬تشتغل،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬يمارس‭ ‬لعبة‭ ‬الصمت،‭ ‬بمنطق‭ ‬الا‭ ‬تاذيني‭ ‬لا‭ ‬ناذيكب،‭ ‬وبمنطق‭ ‬ابتزاز‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيه،‭ ‬قوامه‭ ‬فلسفة‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬حكومة‭ ‬الباجي‭ ‬قايد‭ ‬السبسي‭ ‬الاولى‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وهو‭ ‬منطق‭ ‬اأعطوهم‭ ‬فلوس‭ ‬خللي‭ ‬يسكتوب،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬طول‭ ‬المدة،‭ ‬وتراكم‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة،‭ ‬قد‭ ‬أوصل‭ ‬الامور‭ ‬الى‭ ‬مرحلة‭ ‬تأخر‭ ‬الرواتب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬توتر‭ ‬في‭ ‬تطاوين،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬عالجها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الجهوي‭ ‬للشغل‭ ‬كعادته‭ ‬هناك،‭ ‬بالدعوة‭ ‬الى‭ ‬اضراب‭ ‬عام‭ ‬بيومين‭.‬

الاتحاد‭ ‬الجهوي‭ ‬هناك‭ ‬لم‭ ‬نتعود‭ ‬منه‭ ‬حلولا‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬هذه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬مرفوض‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬الشركة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يفوّتون‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬للنيل‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬بياناتهم‭ ‬وبلاغاتهم،‭ ‬ويتهمونه‭ ‬بشتى‭ ‬التهم،‭ ‬لكنه‭ ‬يصرّ‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬الإضرابات‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عطالة‭ ‬بطبيعتها،‭ ‬ودعوة‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬يعملون‭ ‬إلى‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬العمل‭.‬

ملفّ‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم،‭ ‬تسكت‭ ‬عليه‭ ‬الدولة،‭ ‬وتتركه‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الهوّاة،‭ ‬ومن‭ ‬محترفي‭ ‬االثورجوتب‭ ‬النقابي‭ ‬المنفلت‭ ‬ليعالجوه‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬الا‭ ‬مصالحهم‭ ‬ومصالح‭ ‬الذين‭ ‬يتوافقون‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬غموضا‭. ‬

ملفّ‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم،‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬وقفة‭ ‬حازمة‭ ‬وجادة‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬ويُطرح‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬البحث‭ ‬والتدقيق‭ ‬بكل‭ ‬صدق‭ ‬وشفافية‭ ‬ووضوح،‭ ‬وسينكشف‭ ‬ساعتها‭ ‬حجم‭ ‬الخور‭ ‬الذي‭ ‬انبنى‭ ‬عليه،‭ ‬وستنكشف‭ ‬أكبر‭ ‬أكذوبة‭ ‬عرفها‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الحديث‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

يمكنها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬قارا‭ ‬وثابتا‭:‬ السياحة‭ ‬البديلة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الاحتياط‭ ‬لكل‭ ‬المواسم

تشكّل‭ ‬السياحة‭ ‬رافدا‭ ‬هاما‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬بل‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭…