2023-10-11

في ظل تدهور الخدمات المسداة في معظم الإدارات التونسية : اكتظاظ و«أرجع غدوة» و«الريزو طايح» خبز المواطن اليومي

‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬تطورا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬الادارية‭ ‬سهلت‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الادارة‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬احدثته‭ ‬الأنترنات‭ ‬والثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬ادارية‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬فأصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬المواطن‭ ‬ان‭ ‬يقضي‭ ‬شؤونه‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬الحاسوب‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬دون‭ ‬تكبد‭ ‬عناء‭ ‬التنقل‭ ‬وجمع‭ ‬اكوام‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ينجز‭ ‬مهمته‭. ‬

من‭ ‬المؤسف‭ ‬الوقوف‭ ‬اليوم‭ ‬عند‭ ‬واقع‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬الادارة‭ ‬العالمية‭ ‬قد‭ ‬شمل‭ ‬الادارة‭ ‬التونسية‭ ‬فنحن‭ ‬فعلا‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬تطور‭ ‬وإنما‭ ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬تجتاح‭ ‬الادارة‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬رأسها‭ ‬حتى‭ ‬أخمص‭ ‬قدميها‭ ‬فرغم‭ ‬رقمنة‭ ‬الادارة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وتطور‭ ‬الخدمات‭ ‬الا‭ ‬أنها‭ ‬مازالت‭ ‬تثير‭ ‬استياء‭ ‬المواطن‭.‬

يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الطوابير‭ ‬الطويلة‭ ‬والخدمات‭ ‬البطيئة‭ ‬أرهقت‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يركض‭ ‬بين‭ ‬الأروقة‭ ‬لقضاء‭ ‬خدمة‭ ‬أو‭ ‬استخراج‭ ‬وثيقة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الإدارات‭ ‬التونسية‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬المواطنون‭ ‬لا‭ ‬ترتقي‭ ‬لمستوى‭ ‬انتظاراتهم‭ ‬ويؤكدون‭ ‬أن‭ ‬أداءها‭ ‬تراجع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الثورة‭. ‬فيتفق‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الخدمات‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تعميقها‭ ‬وفق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قاصدي‭ ‬الإدارات‭ ‬اضافة‭ ‬إلى‭ ‬النظرة‭ ‬الاستعلائية‭ ‬لبعض‭ ‬لأعوان‭ ‬والموظفين‭ ‬وعباراتهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ومن‭ ‬مؤسسة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬اارجع‭ ‬غدوةب‭ ‬واالريزو‭ ‬طايحب‭ ‬وهي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬تعلات‭ ‬يتّخذونها‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬وأداء‭ ‬واجبهم‭.‬وقد‭ ‬تستغرق‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬لقضائها‭ ‬بسبب‭ ‬التعطيلات‭ ‬والمماطلة‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بها‭ ‬الخدمات‭ ‬الإدارية‭ ‬وما‭ ‬يستغرقه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هدر‭ ‬للوقت‭ ‬ليتمكن‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬حاجياته‭. ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬خدمات‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬وتردّت‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬ويتفق‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعميقها‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬التحلي‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وغياب‭ ‬الموظفين‭ ‬أو‭ ‬مغادرتهم‭ ‬قبل‭ ‬انقضاء‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬أصبح‭ ‬يتمتع‭ ‬بالخدمات‭ ‬الادارية‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تسهل‭ ‬تلك‭ ‬الاجراءات‭ ‬المعقدة‭ ‬وغير‭ ‬الضرورية‭ ‬وان‭ ‬يتجنب‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المواطن‭ ‬كلمة‭ ‬اأوراقك‭ ‬منقوصةب‭ ‬أو‭ ‬اأرجع‭ ‬غدوةب‭ ‬وهذا‭ ‬طبعا‭ ‬حسب‭ ‬أهواء‭ ‬موظف‭ ‬الادارة‭ ‬التونسية‭.‬

ولكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الرقمنة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬فقد‭ ‬تحول‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬اأوراقك‭ ‬ناقصةب‭ ‬إلى‭ ‬االريزو‭ ‬طايحب‭ ‬ومن‭ ‬اارجع‭ ‬غدوةب‭ ‬إلى‭ ‬االسيت‭ ‬مسكرب‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التجني‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬خدماتها،‭ ‬ولكنه‭ ‬واقع‭ ‬يعيشه‭ ‬التونسيون‭ ‬في‭ ‬جلها‭.‬

‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬خدمات‭ ‬الإدارة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬ليست‭ ‬بالسيئة‭ ‬ولا‭ ‬بالجيدة‭ ‬وتختلف‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬الإدارات‭ ‬تتوفر‭ ‬بها‭ ‬آلات‭ ‬اقتطاع‭ ‬التذاكر‭ ‬كما‭ ‬يسعى‭ ‬الموظفون‭ ‬الى‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬اللازمة‭ ‬للمواطن‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬إدارات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تلبي‭ ‬حاجيات‭ ‬المواطن‭ ‬والخدمات‭ ‬فيها‭ ‬متدنية‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬للمواطن‭ ‬الشعور‭ ‬بالقلق‭ ‬والاشمئزاز‭ ‬دون‭ ‬قضاء‭ ‬حاجياته‭. ‬

فالمطلوب‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عينا‭ ‬ساهرة‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬عبر‭ ‬مراقبتها‭ ‬وتقييمها‭ ‬ومحاسبة‭ ‬كلّ‭ ‬مخل‭ ‬بواجبه‭ ‬ومتسبب‭ ‬في‭ ‬بطء‭ ‬نسق‭ ‬العمل،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬برامج‭ ‬إصلاحية‭ ‬تحددها‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لتعصير‭ ‬الإدارة‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬إلا‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المواطن‭ ‬باعتباره‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬وعليه‭ ‬التفهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬مطالبة‭ ‬اليوم‭ ‬بتعصير‭ ‬الإدارة‭ ‬ورقمنة‭ ‬خدماتها‭ ‬والتقليص‭ ‬من‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬كبلت‭ ‬الإدارة‭ ‬وجعلت‭ ‬خدماتها‭ ‬محل‭ ‬تشكيات‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التونسيين‭ ‬أو‭ ‬المستثمرين،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يقدمون‭ ‬خدمات‭ ‬جيدة‭ ‬ويتلكؤون‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجبهم‭ ‬تجدهم‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬مكبلين‭ ‬بالإدارة‭ ‬القديمة‭ ‬العميقة‭ ‬وفصول‭ ‬قوانينها‭ ‬التي‭ ‬تجعلهم‭ ‬محل‭ ‬تتبعات‭ ‬ومشاكل‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬خرقها‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أيضا‭ ‬إعادة‭ ‬تكوين‭ ‬أغلب‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بالمواطن‭ ‬وكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬له‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامته‭ ‬ويكفل‭ ‬الاحترام‭ ‬من‭ ‬الجانبين‭ ‬وحتى‭ ‬نتجنب‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬الإدارات‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬إما‭ ‬بتبادل‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬موظف‭ ‬وإن‭ ‬كفل‭ ‬القانون‭ ‬حق‭ ‬الموظف‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬مازال‭ ‬ينتظر‭ ‬كيف‭ ‬يضمن‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصحافة اليوم» : الامتحانات تستأثر بقسط مبالغ فيه من أيّام الدّراسة وترهق التّلاميذ والمربّين والإداريّين والأولياء

ما من شك أن الامتحانات ماهي إلا وسيلة لقياس المستوى التحصيلي الدراسي للطالب بعد عام دراسي …