2024-12-25

في الشأن التربوي أهمية اللغة العربية «اللغة الأم» في تكوين الناشئة

نحتفل باليوم العالمي للغة العربية يوم 18 ديسمبر من كل عام . وهي ذكرى اعتماد اللغة العربية بين لغات العمل في الأمم المتحدة سنة 1973 . وجاء الاعتراف بموقع اللغة العربية بين لغات العالم ليجعلها تتبوأ مراكز متقدمة بينها ، لذلك حصلت على المركز الثاني بين اللغات التي توصف بأنها «لغات المستقبل» في بريطانيا وفق تقرير للمجلس الثقافي البريطاني سنة 2013 . وهذا رد حاسم على كل من كان أو مازال يعتقد أن لغة الضاد هي لغة الماضي . وبمناسبة هذه الذكرى رأيت أن أبين في مقالي هذا أن الاحتفال باللغة العربية في التعليم مهم لكن الأهم أن يفهم الناشئة أنها بصفتها لغتنا الأم فهي حافز لهم لتحسين أدائهم التعليمي وتجذير هويتهم وانتمائهم الوطني .
تعتبر اللغة الأم ، اللغة العربية بالنسبة إلينا ، اللبنة الأساسية التي يقوم عليها التواصل بين المواطنين في كل المجالات، ووفق جميع الظروف . فبواسطتها يعبر الطفل وبكل عفوية عن أفكاره ورغباته وميوله، ويكون قادرا على فهم المحيط الذي يعيش فيه والتفاعل معه . إنها اللغة التي يكتسبها الطفل بصورة عفوية من خلال تجاربه المختلفة في محيطه المباشر كما قال Lev Vygotski عالم النفس الروسي ( 1985 ) . ومقارنة باللغة الأم يكتسب الطفل اللغات الأجنبية بنية التعلَم وبصورة مقصودة . لذلك تركز المنظومات التربوية على استعمال اللغة الأم . وفي منظومتنا التربوية أيضا نركز على استعمال اللغة العربية كلغة تعليم أساسية بالنسبة للطفل في التعليم الأساسي بمرحلتيه الابتدائية والاعدادية ويتواصل الاعتماد عليها في التعليم الثانوي كلغة تعليم لكن ليس في كل المواد . وقد بينت الدراسات أن اعتماد اللغة الأم ، اللغة العربية ، في تعليم الأطفال يثير عموما فضولهم المعرفي، وينمي فيهم قدراتهم المختلفة ، ويسهل عليهم اكتساب المحتويات والمهارات التي تمدهم بها المدرسة .
ويكمن المشكل بالنسبة للناشئة ، في سلوكنا اللغوي المجتمعي العادي في تونس. ففي حين أن اللغة الرسمية في بلادنا هي اللغة العربية الفصحى، نجدها لا تستعمل إلا في المراسلات الإدارية وفي التعليم وفي الاجتماعات والخطب الرسمية والندوات الأدبية ..، بينما نستعمل اللهجة الدارجة في تواصلنا اليومي العادي خارج المدرسة وفي الشارع وبين أفراد العائلة . وهكذا فعندما لا يستعمل الناشئة لغتهم الرسمية، اللغة العربية الفصحى، خارج أسوار المدرسة ، فذلك من شأنه أن يؤثر على مكانة اللغة العربية كلغة تعليم ، فلا ينتبهون إلى أثرها المهم في تكوينهم وفي أدائهم التعليمي وفي نجاحهم عموما.
ماذا نجني من تعزيز تدريس العربية ؟
نظرا لأهمية التدريس باستعمال اللغة الأم ، اللغة العربية بالنسبة إلينا ، تؤكد منظمة اليونسكو في أحد تقاريرها حول اللغة الأم في التدريس، أنها عامل مساعد على اندماج الطفل في محيطه المدرسي، وحافز على التعلّم . ويؤكد Vygotski أن التدريس بواسطة اللغة الأم يحسن مكتسبات التلاميذ وقدراتهم الذهنية ويعزز الإبداع لديهم .
وتتفق الدراسات والبحوث في المجال على أن استعمال اللغة الأم في التدريس في كل مراحل التعليم عامل مساعد على تكوين الناشئة تكوينا ذا جودة عالية ، وعلى إصلاح النقائص في المعارف والمكتسبات القبلية ، وعلى تنمية التحصيل العلمي لديهم . ولنا أمثلة كثيرة على ذلك في المنظومات التربوية العالمية في دول مثل ألمانيا واليابان ودول شرق آسيا والنرويج وغيرها . كما تلعب اللغة الأم دورًا محوريًا في تنمية شخصية الطفل وبنائها بصورة متكاملة وتزيد من ثقته بنفسه وفهمه وتقديره لذاته مما يساعد على نجاحه الدراسي . وكلما كان الطفل متمكنا من أسس لغته الأم كان قادرا على استخدامها للتعبير عن نفسه وعن مشاعره ورغباته وصياغة أفكاره بصورة سليمة ومناسبة للسياق الذي تحدث فيه ، مما يعزز قدرة الطفل على التفاعل والتواصل الاجتماعي وتقوية روابطه بالآخرين. ويسهل تمكن الطفل من لغته الأم من فهمه للبناء اللغوي ومهارات القراءة والكتابة والتعبير في اللغات الأجنبية التي يريد تعلمها ليصبح استيعابها أسهل بالنسبة إليه . وهكذا يساعد استعمال اللغة الأم في التدريس على معالجة ظاهرتي الفشل والانقطاع المدرسي . وأخيرا يساهم التمكن من اللغة الأم في بناء الهوية الثقافية والاجتماعية للطفل، وتعزز شعوره بالانتماء إلى وطنه لأن اللغة هي خزان للعادات والتقاليد والمعتقدات والقيم المجتمعية .
وبالمقابل فإن من تضعف لديه اللغة الأم من الأطفال يفقد الفوائد التي أشرنا إليها. وبالتالي فإنه يواجه عدة مخاطر ومشكلات في تقديره لذاته ، وفي تكوينه ونموه النفسي، وفي علاقاته الاجتماعية .. وتلك من مسببات ضعف الدافعية للتعلم لديه وبالتالي الفشل المدرسي . لذا يبقى تعزيز التدريس باستعمال اللغة العربية، لغتنا الأم، من بين أهم المقاربات التي تساعد على الرفع من أداء المنظومة التربوية.
(❊) باحث وخبير في الشأن التربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الشأن التربوي : المدرسة والقيم الجديدة

تفاعلا مع فاجعة انتحار المدرس الأستاذ الجلولي – رحمه الله – مضرما النار في جسده بعد …