الإعلام في دائرة الضوء : الملف الحارق… وقد آن أوان فتحه…
هل نجح الإعلام التونسي في الاختبار الصعب للحرية؟ هل استطاع ان يخرج من مخاض الانتقال السياسي بأخف الأضرار؟ هل امتلك القدرة المهنية واللوجستية في التعبير عن أحلام الناس وآلامهم وهل اصبح أداة للتعبير عن اشواقهم وانتظاراتهم؟ هل غيرت وسائل الاعلام أدواتها وطوّرت مضامينها؟ وهل استفادت حقا من الطفرة التكنولوجية الرهيبة وغياب كل أشكال الرقابة؟ واي دور للصحفيين المحترفين في كل ما يحدث؟
إذا سألنا أي مواطن تونسي عن المكاسب التي تحققت في عشرية ما بعد الثورة سيجيب قطعا بلا النافية وربما استدرك قليلا وقال إن حرية الاعلام هي المكسب الوحيد. ليعود الى استدراكه الأول وقد وجه سهام نقده الى وسائل الاعلام التونسية وأطلق العنان لعبارات الوصم المختلفة.
وهذا الردّ هو الإجابة الواضحة التي لا غبار عليها عن الاسئلة الانكارية التي طرحناها في الاستهلال. فالشعب التونسي منح نخبه وإعلامه سماء من الحرية بلا سقف بعد ثورته وفتح امام الجميع آفاقا رحبة للتعبير الحر الذي لا حدود له. لكن مع الأسف لم تحدث الاستفادة المرجوة من كل هذا. وبدا واضحا ان هناك علّة مستفحلة في هذا القطاع بل وازداد الامر تعقيدا مع تنامي ظواهر جديدة مثل ما يمكن ان نسميه مجازا «الطفح الثوري» وهي علل أخرى أضيفت الى جسد الإعلام. وكانت الخطيئة الكبرى أن الإعلام لم يقم بالمراجعات اللازمة خاصة مع غياب هياكل تعديلية فاعلة ومؤثرة ومع انسلاخ تام عن الدولة.
وكانت النتيجة الحتمية ان هذه الولادة من الخاصرة أسفرت عن نماذج مشوّهة هي من قبيل المسخ الذي لم يكتمل فشاهدنا كل الأنماط الإعلامية التي لا وجود لها الا في بلادنا. ما بين تراجع كبير لمستوى المضامين المقدمة وما بين غياب للحرفية وللصحفيين المحترفين خاصة في الاعلام الجماهيري وتحديدا الإذاعات والتلفزات الخاصة التي تناسلت بشكل كبير ودون ان تتوفر في اغلبها الحدود الدنيا للمواصفات المتعارف عليها في هذه المهنة وفتحت مجالها امام كل من هبّ ودبّ في غياب واضح للتعديل وتكالبت وجوه كثيرة على ضوء الاعلام طامحة الى الشهرة والمجد والمال على حساب الصحفيين وخاصة الشبان.
ومن الطبيعي ان تكون المآلات صعبة ومعقدة خاصة مع زواج المتعة بين السياسة والمال الفاسد بالتحديد والاعلام. ودون ان نستطرد اكثر نقول إن الاعلام اليوم يحتاج الى مراجعات عميقة.
ويبدو ان هذا ما تتجه إليه الدولة الآن وبالتأكيد سيكون الإعلام العمومي كما كان دوما هو القاطرة التي تقود أي تغيير او تطوير.
وفي هذا الاطار يتنزل لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بكل من السيدة هندة بن علية الغريبي الرئيس المدير العام للإذاعة التونسية والسادة شكري بن نصير الرئيس المدير العام للتلفزة الوطنية وناجح الميساوي الرئيس المدير العام لوكالة تونس افريقيا للأنباء وسعيد بنكريّم الرئيس المدير العام لمؤسسة سنيب ـ لابراس ومحمد بن سالم المتصرف المفوّض بدار الصباح.
وكان هذا اللقاء مناسبة للتداول بشأن دور الإعلام الوطني في هذه المرحلة التي تعيشها تونس فحرب التحرير الوطني ليست مجرد شعار بل هي جبهات متعددة ليس أقلها الإعلام.
إذن الإعلام العمومي هنا مدعو ان يقود مرحلة تطوير وتغيير شامل للمشهد الإعلامي التونسي بعد ان عرف مظاهر سلبية كثيرة في السنوات المنقضية. ولعل استضافة رئيس الجمهورية للمدراء العامين لأكبر المؤسسات الإعلامية التونسية هو محاولة لوضع النقاط على الحروف بشأن المهنة الصحفية ومقتضياتها في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ تونس في ظل التحولات الكبرى التي يعيشها محيطنا الإقليمي والعالم بأسره.
فالفوضى التي اعترت المشهد الإعلامي ينبغي ان يوضع لها حدّ والابواب التي تم فتحها على مصراعيها في وجه كل من هبّ ودبّ وأمام كل من فشل في مهنته الاصلية ليعتلي المنابر الإعلامية وينبري «للفتوى» في كل المسائل السياسية الاقتصادية والرياضية والثقافية وحتى عالم الموضة والجمال من المهم التوقف عندها واعتماد معايير الحرفية واحترام اخلاقيات المهنة الصحفية النبيلة سواء تعلق الامر بالمضامين المقدمة او بصناع الظاهرة الإعلامية انفسهم.
وفتح ملف الاعلام هو أكثر من حتمي الآن فلا يمكن المضيّ قدما في المسارات التي تعلن عنها الدولة التونسية في المرحلة الراهنة دون المراهنة على اعلام مهني وحر ونزيه ودون وضعية قانونية ومادية جيدة للصحفيين المحترفين ودون تنقية المشهد من الدخلاء والمتسلقين.
إذن ملف الاعلام يعود الى دائرة الضوء من خلال اهتمام اعلى هرم السلطة به ومن خلال الاجتماع بالمسؤولين عن كبريات المؤسسات الإعلامية في تونس.
وفي هذا اللقاء المهم توقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد عند عديد المحطات التاريخية التي شهدتها تونس في مجال الصحافة المكتوبة ثم المسموعة والمرئية مبينا ان عددا من الصحف التي كانت النية تتجه الى تغييبها هي جزء من تاريخ تونس ولن يقدر احد على طمسها او تغييبها.
وفي سياق الحديث عن المضامين الإعلامية وحتمية تطويرها لمواكبة السياقات الجديدة ومقتضياتها وتفكيك التحولات الكبرى في العالم وآثارها المباشرة وغير المباشرة علينا، تطرق رئيس الدولة الى المخاض الذي تعيشه الإنسانية قاطبة فالفكر الإنساني تطور في حين ان بعض المفاهيم ظلت جامدة. والصراع القائم بين الجديد الذي يريد أن يرى النور والقديم الذي يقاوم ستتمخض عنه حتما ولادة مفاهيم جديدة تتسق مع السياق الحالي بكل التطورات المتسارعة الحاصلة فيه.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…