بلادنا تحاول لملمة ما تشتت وترميم ما تم تخريبه وإصلاح ما وقع افساده في سياق إقليمي وعالمي بالغ التعقيد والتحديات كبيرة وتحتاج الى ان نلتف جميعا حول وطننا. لكن مع الأسف ثمة من يريد تأزيم الأوضاع بكل الطرق ومحاولة خلق توترات اجتماعية واثارة سجالات نحن في غنى عنها.
ولعل حرب الاشاعات هي الوسيلة المثلى التي استخدمت ماضيا وتوظف حاضرا من أجل كل الأغراض الوضيعة سواء تعلق الامر بتلهية الناس عن القضايا الجادة أو كان الهدف هو توجيه الرأي العام إلى مسائل سطحية وساذجة حتى لا يلتفت الى ما ينفعه ويفيده او كانت هناك رغبة دفينة في خلق الفتن واثارة الصخب من أجل زلزلة اركان السلم الأهلية.
ومعلوم أن الاشاعة من أخطر الوسائل التي تؤثر في الشعوب ويستخدمها الأعداء ليكون اثرها اعمق أحيانا من الحروب المباشرة. وهناك العديد من المعارك تم حسمها بواسطة حرب الاشاعات ولا يتسع المجال هنا لاستعراض نماذج في سياقات تاريخية وفي أمكنة محددة.
فما يهمنا هنا هو هذا السيل الجارف من الاشاعات الذي ينطلق من حين إلى آخر وينتشر بسرعة غريبة كما تسري النار في الهشيم وكأن هناك غرفة تحكّم واحدة تنطلق منها الاشاعة لتجد طريقا الى أهدافها.
ولأنها ترمي بالأساس الى الوصول الى اكبر قدر من المتلقين فليس افضل من شبكة الانترنات ومواقع التواصل الاجتماعي بكل منصاتها المتعددة. وتستفيد بذلك من غياب أي رقابة على المضامين المبثوثة في الفضاء الافتراضي لتطلق بذلك سهامها في اتجاهات عدة.
ولقد لاحظنا في الآونة الأخيرة تواتر لبعض الاشاعات وانتشارها بشكل لافت في سياق تشن فيه بلادنا حربا بلا هوادة على الفساد وتريد اجتثاثه بقوة القانون وبتوعية المواطنين كما ترفع شعارات محفزة من اجل البناء والتشييد والانخراط في العمل الجاد كل من موقعه من اجل تحسين الأوضاع مع الاعتماد الكلي على الذات. لكن في الاثناء هناك من يريد اثارة صخب ما للتعتيم على كل هذه القضايا الجادة وذلك بنشر اشاعات مغرضة أهدافها متعددة وهي بمثابة أحيانا بالون اختبار وجس نبض للمجتمع بشأن بعض المسائل المحسومة.
والمثال الصارخ الذي اثار بلبلة في الأيام و الساعات القليلة الماضية هو الترويج لما مفاده ان « هناك قرارا اتخذ بمراجعة مجلة الأحوال الشخصية وتحديدا البند المتعلق بإلغاء تعدد الزوجات» ولسنا ندري من اتخذه فقد جاءت الصيغة مبنية للمجهول كعادة صناع الاشاعات ومبتكريها.
وبالتأكيد وجدت هذه الأكاذيب والاراجيف هوى في نفوس بعض المعترضين على المشروع الحداثي والتقدمي التونسي الرائد وهم من الرجعيين بالتحديد الذين انشغلوا دوما بهذه المسألة وروجوا لها. كما داعبت هذه الاشاعة خيال بعض المعادين للمرأة التونسية وذوي الامراض النفسية المعقدة التي تود نكوصا عن التحديث وهم من انصار الردة الجديدة.
كما سقط في فخ هذه الاشاعات العديد من المحسوبين على النخب التونسية وانبروا يدافعون بلا هوادة وكأن الاشاعة أصبحت فعلا حقيقة وأمرا واقعا. والغريب انه لا احد تساءل او تثبت من مصدر بث هذه الاراجيف ولا احد كلف نفسه عناء التريث قبل النشر وقبل الخوض في نقاش بيزنطي لا أساس له من الصحة.
والحقيقة ان هناك بعض الإعلاميين سبحوا مع التيار رغم أنهم مؤهلون اكثر من غيرهم بحكم مهنتهم للتثبت ومجبولون بالضرورة على تمحيص الاخبار وفرز الغث منها من السمين وكانوا مع الأسف أدوات في أيدي مروّجي الاشاعات من اجل ان تحقق اعلى درجات الانتشار.
واذا الامر في هذا المثال الذي اعتمدناه قد كان متصلا بموضوع تعدد الزوجات الذي خلنا اننا حسمناه ولن يكون مجالا للنقاش فإنه من الخطورة بمكان الترويج لمثل هذه الاشاعات فمن يدري لعلها تتعلق مرة أخرى ببعض المسائل التي تهدد الامن القومي او تثير الفتن بين المواطنين ونحن قطعا لا نحتمل مثل هذه التوترات. ورهان مجتمعنا كان دوما هو الحفاظ على التناغم والانسجام بين النسيج الاجتماعي الذي لا يحمل في ذاته أسباب انشطار او توتر لكن هناك الآن من يريد اشعال الأوضاع وعلينا الانتباه والحذر. والاحتياط واجب.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…