تنفيذ المشاريع المعطّلة في تونس : بين الضرورة الاقتصادية والصعوبات الإدارية والمالية
تعدّ المشاريع التنموية في تونس من أهم المحركات الاقتصادية التي تساهم في تحسين معيشة المواطنين وتعزيز النمو الاقتصادي غير أن التأخر في إنجاز العديد من المشاريع الحيوية بات يمثل معضلة حقيقية تعيق تحقيق الأهداف التنموية.
وفقاً لتقارير رسمية ، توجد في تونس مئات المشاريع المعطلة في مختلف القطاعات ، أبرزها البنية التحتية ، الصحة والتعليم، وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني.
وتتراوح قيمة هذه المشاريع بين مشاريع صغيرة ذات تأثير محلي ومشاريع كبرى ذات أهمية وطنية ، مثل إنشاء الطرق السريعة أو بناء المستشفيات . وتأخر إنجاز هذه المشاريع يؤدي إلى تأخير جني الفوائد الاقتصادية منها ، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي ويوسع فجوة الثقة بين المواطن والسلطات المركزية والجهوية.
العوائق الإدارية والتشريعية
من أبرز العوامل التي تعرقل تنفيذ المشاريع التنموية تعقيد الإجراءات الإدارية وهي التي أشار إليها رئيس الجمهورية قيس سعيد في عديد المناسبات وآخرها أول أمس الخميس لدى استقباله لرئيس الحكومة كمال المدوري ، إذ يعاني المستثمرون ، سواء كانوا محليين أو دوليين ، من البيروقراطية والروتين الاداري الذي يتسبب في تأخير منح التراخيص وإجراءات فنية والتدقيق المالي . بالإضافة إلى ذلك ، تتغير القوانين والتشريعات بشكل متكرر ، ما يجعل المستثمرين في حالة عدم يقين مستمر ما يؤثر على استدامة مشاريعهم .
ضعف التنسيق بين الهياكل الحكومية
غياب التنسيق بين الوزارات والهيئات المعنية يعدّ من بين العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تعطل المشاريع . ولهذه الاخلالات تداعيات اقتصادية واجتماعية حيث ان توقف المشاريع التنموية لا يؤثر فقط على الاقتصاد الكلي ، بل يمتد أثره ليطال جودة حياة المواطنين بشكل مباشر . على سبيل المثال، تأخر إنجاز مشاريع البنية التحتية يعوق تحسين شبكات النقل ، مما يؤدي إلى تعطيل حركة التنقل بين المدن والمناطق الريفية ويؤثر على التجارة الداخلية . كذلك ، تأخر إنجاز مشاريع المستشفيات والمراكز الصحية يؤدي إلى نقص حاد في الخدمات الصحية ، خاصة في المناطق النائية، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على هذه المشاريع للحصول على الرعاية الصحية .
من الناحية الاقتصادية، تؤدي المشاريع المعطلة إلى انخفاض مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يرى المستثمرون أن بيئة العمل غير مواتية. وهذا بدوره يقلل من فرص خلق الوظائف ، ويزيد من معدلات البطالة التي تتجاوز 14 %، خصوصاً بين الشباب. كما أن توقف المشاريع يعوق عملية الابتكار والنمو في القطاعات الاقتصادية المختلفة، مما يقلل من فرص تحقيق التنمية المستدامة.
الحلول الممكنة
تجاوز هذه المعضلة يتطلب اتخاذ مجموعة من الإصلاحات والإجراءات العاجلة من قبل الحكومة التونسية على غرار إصلاح المنظومة الإدارية وهي الخطوة الأولى التي تتمثل في تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بمنح التراخيص وتعويضها بكراسات شروط لمزيد من الشفافية والسرعة في اتخاذ القرارات. كما يجب العمل على تقليل التعامل الورقي والحد من التدخل الإداري المباشر ، مع إنشاء منصة رقمية موحدة تُسهل للمستثمرين متابعة مراحل تقدم مشاريعهم والحصول على الوثائق المطلوبة في أسرع وقت.
تحسين التنسيق بين المؤسسات الحكومية
ينبغي تعزيز التعاون بين الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بالمشاريع التنموية. ويمكن إنشاء هيئة مستقلة تشرف على متابعة تنفيذ المشاريع وضمان التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، وتحديد المسؤوليّات بوضوح لتفادي تضارب المصالح والقرارات وتكثيف الجهود لمكافحة الفساد من خلال تعزيز آليات الرقابة وتفعيل دور القضاء المستقل في ملاحقة المتورطين. كما يجب تعزيز الشفافية في إسناد المشاريع وتوزيع الموارد المالية، وضمان توجيهها بفاعلية نحو المناطق الأكثر احتياجاً.
تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص
يشكل التعاون بين القطاعين العام والخاص خياراً مهماً لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع التنموية. حيث يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكاً أساسياً في تمويل وتنفيذ المشاريع، وخاصةً تلك التي تتطلب استثمارات كبيرة.وهوما يتطلب تفعيل إطار قانوني يسمح بمرونة أكبر في الشراكات بين القطاعين وتحفيز الاستثمارات.
الإسراع بتنفيذ المشاريع المعطلة في تونس ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل هو ضرورة ملحة لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر والبطالة. ويستدعي هذا جهوداً حثيثة من الحكومة لتحسين البيئة الإدارية، وتفعيل آليات مكافحة الفساد، وتعزيز التنسيق بين مختلف الهياكل المعنية. ذلك أن التنفيذ السريع للمشاريع المعطلة هو السبيل الأوحد نحو إعادة الثقة بين المواطن والدولة، وتحقيق انتعاش اقتصادي واجتماعي متوازن.
مثّل أبرز الوعود الانتخابية لرئيس الجمهورية : المجلس الأعلى للتربية والتعليم من أجل ترميم ما تداعى
انتظمت الخميس الماضي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم جلسة عامة حوارية بحضور وزير التربية ن…