تفشّي ظاهرة العنف في تونس : ارتدادات خطيرة لابدّ من مجابهتها
مما لا شك فيه انه لا وجود لمجتمع يخلو من الانحراف والإجرام ولكن قطعا يختلف المنسوب وفق السياقات والظروف وطبيعة الشخصية القاعدية لأي شعب.
ويعرف المجتمع التونسي تفشّيا كبيرا لظاهرة العنف بمختلف أشكالها ،عنف مادي ولفظي ورمزي وهو يشق كل الفئات والطبقات.
فقد بتنا في السنوات الأخيرة نتابع أخبارا متواترة لوقائع عنيفة بشكل ربما غير مسبوق سواء جرائم القتل التي تفشت سواء داخل الاسرة او في المجتمع او السرقات او السلب وغيرها من الممارسات العنيفة التي تتم في الفضاء العام هذا بالإضافة الى ارتفاع منسوب العنف اللفظي في الشارع التونسي وفي مواقع التواصل الاجتماعي بالتوازي مع عنف في مستويات الخطاب المعتمدة من قبل النخب التونسية التي يبدو انها انزاحت نحو ملفوظ عنيف ومتوتر.
والواضح ان العنف أصبح سمة بارزة في المجتمع التونسي وهو ما يعكس حالة من التشنج والتوتر وعدم التناغم في نفوس التونسيين الذين من الأكيد ان التحولات السريعة التي عرفوها خلال ما يزيد عن عقد ونصف قد تركت آثارها على نفسياتهم وسلوكهم وتمثلاتهم للعلاقة مع الذات والآخر.
وإذا كان من الطبيعي تفهم ان يكون المجتمع التونسي ضمن معادلة العنف بالنظر الى الظروف التي مر بها التونسيون منذ حوالي عقد ونصف غير ان استفحال هذه الظاهرة في بلادنا يدعو حقيقة الى التأمل والتدبر بعد ان فاقت كل الحدود وأصبحت خطرا حقيقيا يهدد أمن التونسيين والسلم الأهلية بشكل عام.
وتفيد الدراسات السوسيولوجية ان العوامل التي قادت الى استفحال الظاهرة تتراوح ما بين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والنفسي والسياسي. ويتوزع العنف على مختلف الجهات على امتداد الجمهورية.
والأكيد أن العنف دائما ما يستفحل في المجتمعات التي تقوم على الهشاشة والارتباك فالأزمات الاقتصادية تغذّّي مشاعر الغضب والتوتر في نفوس الأفراد وتحرّض النزعات العنيفة بداخلهم هذا بالإضافة الى ان حالة التراخي في الفترة التي رافقت ما بعد الثورة التونسية ساهمت في ظاهرة الإفلات من العقاب وهو ما جعل البعض يتجرّأ ويمارس العنف في الفضاء العام. ولا ننسى هنا ان هناك حالة تفشي لخطاب العنف والكراهية المبثوث سواء عبر بعض المنابر الإعلامية او في مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما ساهم بشكل كبير أيضا في تفشي العنف والتطبيع معه بطريقة ما.
إذن نحن بصدد تشخيص وضع متفاقم في المشهد المجتمعي التونسي لكن ليس هذا الأهم،فالمهم هو محاربة هذه الظاهرة والتقليص من مخاطرها وارتداداتها الحادة على الدولة والمجتمع.
وما دمنا في مرحلة بمثابة اعلان نوايا ببدايات جديدة في كل المجالات فمن المهم ان ننطلق من تطويق ظاهرة العنف بتمظهراتها المتعددة فالعنف الأسري الذي من ابرز ضحاياه النساء والأطفال ينبغي ان يتم تطويقه ليس بالتشريعات فقط وانما بتفعيلها وتطبيقها بصرامة بالإضافة الى ضرورة القيام بحملات توعوية.
أما العنف في الفضاء العام فهو مسؤولية الجميع يتعين ان نتفطن كلنا لمخاطرها وان نوقف نزيفه بكل الطرق. وهنا لا نعني فقط العنف المادي الذي بات ممارسة يومية اقتحمت حتى الفضاء المدرسي ومحيط المؤسسات التربوية وقد تابعنا مع العودة المدرسية وقائع قتل لتلميذ شكلت صدمة لكل التونسيين ، وإنما نعني أيضا العنف الرمزي واللفظي في كل التمظهرات التي يتجلى فيها. فهو يبدأ بالتنمر والتهكم ويمرّ إلى هتك الأعراض من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي خاصة من يتخفون خلف أسماء مستعارة ويصبّون كل توترهم وتشنجهم وغضبهم المكبوت على الجميع وتحديدا الشخصيات العامة ويصل الى خطاب ينضح بالحقد والكراهية من قبل بعض المحسوبين على النخب والذين يعمدون الى شيطنة كل من يخالفهم الرأي.
ولابد هنا من وعي جماعي بمخاطر هذا السلوك المتفشي وإيقاف هذا النزيف عبر منابر إعلامية حرفية وعبر أصوات عقلانية ومعتدلة وهادئة لنخب ثقافية تعلي مصلحة البلاد وتشتغل بعمق على تغيير الذهنيات.
النداء الأخير : أيها التونسيون ..إلى صناديق الاقتراع..!
يتوجّه التونسيون كما كان منتظرا اليوم الى مراكز الاقتراع ليختاروا من سيدير شؤون البلاد لم…