في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال محمد البراهمي: الرّاهن يؤكّد صواب شهيد الجمهورية
في مثل هذا اليوم من سنة 2013، يوم عيد الجمهورية 25 جويلية، امتدت يد الغدر في وضح النهار الى الشهيد الحاج محمد البراهمي مؤسس التيار الشعبي وأحد أبرز قادة الجبهة الشعبية أنذاك قدّام منزله وأمام أنظار أفراد عائلته.
كان نفس السيناريو تقريبا الذي تمت بواسطته تصفية الشهيد شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد والقيادي بالجبهة الشعبية بنفس الطريقة، يوم 6 فيفري 2013 وما تزال مسارات القضية، خصوصا بعد تفكيكها تراوح مكانها، ورغم البت مبدئيا في المسائل أو في الجوانب التنفيذية وإصدار أحكام بشأن الأدوات الآدمية التي اقترفت الجريمة فإن الحقيقة، كل الحقيقة حول جميع أركان الجريمة، لم تظهر بعد ولم نعرف بعد من خطّط ودبّر وموّل وتستّر وأجهض بالتالي مشروعا وطنيا وإنسانيا لتونس الجديدة.
صحيح أن تنظيم النهضة وشركاءه في الحكم بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة يتحملون المسؤولية السياسية والاخلاقية في جريمة الاغتيال، غير أن المسؤولية الجزائية ماتزال معلّقة وبحاجة للإثبات وهي رهينة عدالة يجب ان تستيقظ من سباتها وتتحرّر من كل الضغوط والحسابات لتنصف شعبا ووطنا.
اليوم تحل الذكرى 11 ودماء البراهمي ما زالت على قارعة الطريق تماما مثل دماء بلعيد والعشرات من بواسل مؤسّستينا الأمنية والعسكرية وكذلك من المدنيين من تونس وحتى من خارجها.
ولأن الحاج محمد البراهمي لم يكن مجرّد رقم بين آلاف الوطنيين الذين نذروا حياتهم للدفاع عن تونس وشعبها كان مستهدفا في شخصه وفي مشروعه الذي تؤكد الأوضاع الراهنة وتحدياتها وطنيا واقليميا ودوليا صوابه.
لسنا في باب تحريك الجراح أو تصفية الحسابات، لكنّنا نذكّر للتاريخ ان البراهمي، الأمين العام لحركة الشعب تلقّف لحظة صدور نتائج انتخابات 23 اكتوبر 2011، وترسخت له قناعة بأن أفضل طريقة لحماية الثورة من السرقة، هي الانضمام للجبهة الشعبية وتجذير خطها الوطني والإنساني والدفع باتجاه ألّا تكون فصيلا معارضا وإنما رقما في المشهد الوطني ومشروع حكم لتونس الجديدة، وهذه نفس الرؤية التي تقاسمها مع مؤسسي الجبهة ولم يتفاعل معها بعض «الإخوة» للأسف في الحركة فكان الخروج وكان تأسيس التيار الشعبي يوم 7 جويلية 2013، أياما قليلة قبل الاغتيال بعد أن تم كشف ظهره كما يقال.
لقد اندثرت الجبهة الشعبية لأنها ببساطة لم تتبع وصية البراهمي وقبله بلعيد وقادة آخرين كانوا مدركين ان حِراب الداخل والخارج مُصوّبة من أجل إجهاض هذا المشروع، ولعبت هذه «الحِراب» بشكل خبيث على التجاذبات والخلافات الشخصية والحساسية المفرطة بين الجبهويين الآتين من مشارب يسارية مختلفة ماركسية وقومية عروبية وغيرها، ومع ذلك يبرز الواقع وجاهة مقولات العدالة الاجتماعية وإصلاح المرفق العام وتأمين خدمات الصحة والنقل والتعليم بشكل راق، والاهتمام بالفلاحة وبالاقتصاد الوطني وتشجيع رجال الأعمال والاعتراف بدور رأس المال الوطني في بناء منوال تنموي يحقق الثروة ويعالج مشكلات البطالة والتشغيل الهشّ ويقطع مع التبعية المقيتة للخارج..
وبقدر تفكيره وحرصه على نجاح التجربة التونسية، لم يقطع الشهيد البراهمي مع القضية المركزية للعرب والانسانية بشكل عام، ونقصد بذلك القضية الفلسطينية التي لطالما حذّر من حصارها ومحاولة وأدها لكنه كان يبشّر في نفس الوقت بشيء ما يقلب المعادلات، ولعلّ ما يحصل اليوم على أرض فلسطين منذ السابع من أكتوبر 2023 مع ملحمة طوفان الأقصى يقيم الدليل على سلامة الموقف وواقعيته.
والأهم في تقديرنا في ما تركه لنا شهيد الجمهورية حول نفسه وإرثه، هو أنه كان وطنيا حتى النخاع وقوميا وإنسانيا الى أبعد الحدود، وحين كان يتحدث عن أهداف الثورة التونسية في الحرية والكرامة ويدافع عن العدالة الاجتماعية وعن المساواة في تونس يربطها بالمحيط العربي ويدافع عن استقلال القرار الوطني وينتصر للدولة الوطنية كما كان الحال في الموقف من الدولة السورية على سبيل المثال عندما قطع إخوان تونس العلاقات الدبلوماسية معها بحجة الانتصار للديمقراطية في هذا البلد العربي، والديمقراطية لا يمكن ان تلج الربوع على ظهر الدبابات وبأيدي العملاء والمرتزقة وتجار الدين..
ان من استهدف البراهمي وبلعيد إنما استهدف التجربة التونسية التي كان بالإمكان أن تتحول إلى نموذج وقاطرة للشعوب العربية كي تتحرر من الاستبداد الداخلي والتبعية الخارجية، في محاكاة لتجارب مشابهة في أمريكا اللاتينية التي تمكنت قوى سياسية تقدمية من الوحدة ومن السير بشعوبها نحو ديمقراطية ناشئة حريصة على استقلال قرارها الوطني وجريئة في إرساء نظام اجتماعي عادل منتصر وضامن للحقوق والحريات رغم الحصار والتآمر والخيانة.
الانتخابات الأمريكية، تعنينا.. ولا تعنينا !
يتطلّع العالم باهتمام كبير لتاريخ الخامس من نوفمبر 2024 لمعرفة الرئيس القادم للولايات المت…