ظاهرة قديمة.. صدمة متجددة: انتحار الطفولة
دأب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ تأسيسه قبل عقد ونيف على إصدار جملة من التقارير الدورية حول مختلف الجوانب التي تهم حياة التونسيين ،وتتسم هذه التقارير بدرجة كبيرة من النزاهة العلمية باعتبار أن من يقوم بانجازها نخبة من الناشطين في الحقل المدني والسياسي تحت إشراف نخبة من الجامعيين.
وفي تقريره الذي أصدره أمس، كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان نسبة محاولات وحالات الانتحار خلال النصف الأول من سنة 2024 في صفوف الأطفال بلغت %18 من جملة 75 حالة تم رصدها.
واللافت أن ما يمكن أن نسميه «انتحار الطفولة» ظاهرة عامة، حافظت على جغرافيتها إن جاز القول، وعلى ديمومتها وشموليتها فمحاولات وحالات الانتحار توزعت إلى 60 في صفوف الذكور و13 في صفوف الإناث.
وللأسف فإن هذه الأرقام أصبحت شبه مألوفة، ويكاد يكون توزيع حالات ومحاولات الانتحار هو نفسه حيث توجد القيروان كالعادة في المرتبة الأولى تليها بنزرت ثم قابس والقصرين..
والأخطر من ذلك أن التقرير يكشف أن هذه الظاهرة لم تخرج من المربع الأسري وأن السكن العائلي هو الذي كان الفضاء الأمثل للأسف للإقدام على الانتحار.
وحسب ما يرشح من الأخبار والتفاصيل وأحيانا من الأساطير والسرديات حول عمليات الانتحار، فإن بعضها يعود إلى الخوف من كشف حقيقة معينة أمام العائلة كالإخفاق في الدراسة أو فقدان القدرة على الخروج للشارع ومحاكاة الأتراب بسبب الخصاصة التي تنعكس حتى على اللباس، فيما يعود البعض الآخر إلى حالة اليأس الشديد والشعور بالعجز والفراغ دون أن تتفطن البيئة بكل مكوناتها، أي الأسرة والمدرسة والشارع إلى ذلك..
إن ما كشفته هذه المنظمة الحقوقية ذات المصداقية والمسؤولية، رغم كونه لم يأت بالجديد، يجب ألا يمر مرور الكرام وعلى الجميع أن يتحرك لوقف النزيف فمن غير المقبول أن نقف مرة أخرى نهاية السنة على نفس الأرقام والحقائق فنكتب وننتفض لبعض الوقت ثم سرعان ما ننسى أو نتناسى الموضوع.
إننا بحاجة الى وقفة حاسمة وحازمة من الطيف المدني والسياسي ومن الجهات الرسمية، فالجمعيات المعنية بالطفولة في بلادنا تعدّ بالعشرات، والهياكل الرسمية وعلى رأسها وزارات المرأة والأسرة والطفولة والشباب والرياضة والتربية مدعوة الى بعث خلية أزمة والشروع فورا في البحث في الحلول العاجلة والآجلة الكفيلة بوضع حد لانتحار الطفولة.
إن المسألة لا تتعلق بالتشريعات فإلى جانب الالتزامات الدولية ومصادقة بلادنا على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وغيرها من النصوص فان ترسانة التشريعات الوطنية وأهمها مجلة حماية الطفل وغيرها من مكاسب الطفولة تفرض علينا تظافر الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة.
وطبيعي أن يكون مفتاح الحل أيضا في حلحلة جوانب التنمية في ربوع الوطن وخاصة في الجهات التي تتصدر قائمة انتحار الطفولة فهناك قرى بعينها داخل ولاية القيروان على سبيل المثال تقبع في أسفل قائمة المناطق الأكثر فقرا.
إن الخشية أن نقف يوما على حقيقة أفظع بخصوص الأطفال الذين ينجون من محاولات الانتحار أو ربما لا يقدمون عليها في هذه السن فيختارون سبلا أخرى للهروب إلى الأمام عندما يصبحون شبابا يانعا، سواء عبر «الحرقة» او من خلال السقوط في مستنقع العنف والجريمة بكل أنواعها لذلك نقول أن التردد مضيعة للوقت والسلبية تواطؤ واشتراك في المحظور.
في الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى «7 أكتوبر..»: نصف الطريق إلى.. القدس عاصمة فلسطين
بكثير من الألم والحزن لفقدان آلاف الأشقاء، لكن أيضا بكثير من الاعتزاز والثقة والتفاؤل نحيي…