2023-08-21

يعدّ‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الحارقة‭ ‬: التشغيل‭ ‬يُطرح‭ ‬كأولوية‭ ..‬؟‭ ! 

يعدّ‭ ‬ملف‭ ‬التشغيل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الحارقة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عديد‭ ‬الملفات‭ ‬الأخرى‭ ‬وهو‭ ‬المحرار‭ ‬لقيس‭ ‬درجة‭ ‬التزام‭  ‬الحكومة‭ ‬بقضايا‭  ‬الناس‭ ‬وهو‭ ‬المحك‭ ‬لتقييم‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬نظرا‭ ‬لرمزيته‭ ‬وأهميته‭ ‬وطبيعة‭ ‬الشريحة‭ ‬التي‭ ‬يمسها‭  – (‬خريجو‭ ‬الجامعات‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬اختصاصاتهم‭) ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬ملف‭ ‬التشغيل‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خارج‭ ‬السياق‭ ‬الموضوعي‭ ‬الذي‭ ‬يلفه‭ ‬ويحف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عديد‭ ‬الجوانب‭ ‬وفي‭ ‬مستويات‭ ‬عديدة‭.‬

‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬خريجي‭ ‬الجامعات‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬ملفت‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬و‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬التغييرات‭ ‬الجذرية‭ ‬التي‭ ‬أرساها‭ ‬نظام‭ ‬بن‭ ‬على‭ ‬والتي‭ ‬مسّت‭ ‬جوهر‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭  ‬الذي‭ ‬ساهم‭  ‬في‭ ‬جعل‭ ‬تونس‭ ‬سوقا‭ ‬مفتوحة‭ ‬للاستهلاك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مجاراة‭ ‬النسق‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬للإنتاج‭ ‬والإنتاجية‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬وانسداد‭ ‬آفاق‭ ‬التشغيل‭ .‬

وما‭ ‬لبثت‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬تتفاقم‭ ‬سنة‭ ‬تلو‭ ‬أخرى‭ ‬بل‭ ‬ازداد‭ ‬الوضع‭ ‬تعقيدا‭ ‬نظرا‭ ‬لعوامل‭ ‬موضوعية‭ ‬حينا‭ ‬وأخرى‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬الإرادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتسوية‭ ‬بعض‭ ‬فصول‭ ‬وتفاصيل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المناسبات‭ ‬محل‭ ‬مزايدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتهافتين‭ ‬على‭ ‬الكراسي‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ .‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭  ‬أن‭ ‬معالجة‭ ‬ملف‭ ‬التشغيل‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬للبطالة‭ ‬المزمنة‭ ‬يستدعي‭ ‬توفر‭ ‬إرادة‭ ‬حقيقية‭  ‬ومعالجة‭ ‬ملف‭ ‬التشغيل‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطا‭ ‬وثيقا‭ ‬بتحقيق‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬مرتفعة‭ ‬ولا‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بخلق‭ ‬مصانع‭ ‬وبرنامج‭ ‬تصنيع‭ ‬وتطور‭ ‬فلاحي‭ ‬وإنتاج‭ ‬فلاحي‭ ‬يحول‭ ‬إلى‭ ‬صناعات‭ ‬غذائية‭…‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬يطرح‭ ‬كأولوية‭ ‬اليوم‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬جحافل‭ ‬المعطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬ترايذ‭ ‬متواصل‭ ‬ولاشيء‭ ‬تغيّر‭ ‬رغم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المسجلة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬متواصلة‭ ‬مطالبة‭ ‬بحلول‭ ‬جذرية‭ ‬لمعضلة‭ ‬البطالة‭  ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭  ‬البطالة‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الحالية‭ ‬15.6‭ % ‬مقابل‭ ‬16.1‭ % ‬في‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬نفسها‭ ‬و15.3‭ % ‬في‭ ‬الثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنة‭  ‬وفق‭ ‬الإحصائيات‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭  ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬15‭ ‬أوت‭ ‬2023‭.‬

وتشير‭ ‬الأرقام‭  ‬إلى‭ ‬تقلص‭ ‬عدد‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬نسبيًا‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬638.1‭ ‬ألف‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬مقابل‭ ‬655.8‭ ‬ألف‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬بين‭ ‬حاملي‭ ‬الشهائد‭ ‬العليا‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبيًا‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬23.7‭ % ‬بالثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سـنة‭ ‬2023‭ ‬مقابل‭ ‬23.1‭ % ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سـنة‭ ‬2023،‭ ‬وفق‭ ‬معهد‭ ‬الإحصاء‭ ‬كما‭ ‬بقيت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬حسب‭ ‬الجنس،‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنساء‭ (‬21.1‭ %) ‬مقارنة‭ ‬بالنسبة‭ ‬المسجلة‭ ‬لدى‭ ‬الرجال‭(‬13.2‭ %).‬

كما‭ ‬أفادت‭ ‬أيضا‭ ‬بيانات‭ ‬المعهد‭ ‬أن‭  ‬نسبة‭ ‬بطالة‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و24‭ ‬سنة‭ ‬بلغت‭  ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬نسبة‭ ‬38.1‭ % ‬مقابل‭ ‬40.2‭ % ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الجارية،‭ ‬و37.2‭ % ‬خلال‭ ‬الثلاثي‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2022‭.‬

هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬المخيف‭ ‬للازمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المزمنة‭ ‬وهي‭ ‬مؤشّرات‭ ‬متوقعة‭ ‬وفق‭  ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي‭ ‬باعتبار‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬ننتقل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬والإنتاج‭  ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأخرى‭  ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لسياسات‭ ‬خاطئة‭ ‬وفاشلة‭ ‬اتخذت‭ ‬خاصّة‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعشرية‭ ‬السّوداء‭ ‬حينها‭ ‬ضرب‭ ‬الفساد‭ ‬كل‭ ‬المضارب‭ ‬وتعمّقت‭ ‬أزمة‭ ‬المعطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬خاصّة‭ ‬وان‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنّت‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬مفزعة‭ ‬لانتدابات‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محلّها‭ ‬وفق‭ ‬الانتماءات‭ ‬الحزبية‭ ‬وملفات‭ ‬فضائحية‭ ‬أخرى‭ ‬أثبتت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬قضايا‭ ‬الناس‭ ‬ومشاغلهم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأولويات‭.  

‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬مطلب‭ ‬التشغيل‭ ‬ولا‭ ‬حل‭ ‬الملفات‭ ‬العالقة‭ ‬ذملف‭ ‬الشغل‭- ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراءين‭ ‬أساسيين‭ ‬أولا‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬محترمة‭ ‬توفر‭ ‬مواطن‭ ‬شغل‭ ‬وثانيا‭ ‬تعبئة‭ ‬موارد‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حل‭ ‬الملفات‭ ‬العالقة‭ ‬وتعبئة‭ ‬موارد‭ ‬الدولة‭ ‬تمر‭ ‬أساسا‭ ‬عبر‭ ‬إجراءات‭ ‬عملية‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الفساد‭ ‬لا‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بتتبع‭ ‬الفاسدين‭ ‬بل‭ ‬وجب‭ ‬مقاومة‭ ‬التهرب‭ ‬الضريبي‭ ‬وإدخال‭ ‬السوق‭ ‬الموازية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المهيكل‭ ‬وتدقيق‭ ‬الثروات‭ ‬الوطنية‭ ‬وحسن‭ ‬استثمارها‭ ‬لصالح‭ ‬الشعب‭ ‬فبهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬يمكن‭ ‬الاستجابة‭ ‬لطموحات‭ ‬شباب‭ ‬تونس‭  ‬في‭ ‬تشغيل‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامته‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المؤسسات التربوية حاضنة العلم وحصن المعرفة تتربّص بها المخاطر و لم تعد آمنة..!

لم تعد  المؤسسات التربوية حاضنة العلم وحصن المعرفة في مأمن فقد  بات محيطها حاضنا لجملة من …