للمرة الثالثة على التوالي: تأجيل افتتاح معبر راس جدير الحدودي
فشلت الوحدات الديوانية والادارة الجمركية وكل السلط المعنية في معبر راس جدير الحدودي بين تونس وليبيا، في اعادة افتتاحه للمرة الثالثة على التوالي، بعد الاتفاق الذي وقع بين وزيري الداخلية في البلدين. ورغم ان حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التي يقودها السيد عبد الحميد الدبيبة قد أعلنت عزمها افتتاح البوابة الحدودية رسميا يوم الاثنين الفارط، الا أن ذلك لم يحصل نتيجة تطورات أمنية طرأت في آخر لحظة على مستوى الطريق الساحلي الذي يربط بين مدينة زوارة والمنفذ الحدودي.
وكانت المنصة الاعلامية الرسمية للحكومة الليبية قد نشرت ان عبد الحميد الدبيبة قد قال أن تنظيم منفذ رأس جدير خطوة ضرورية ليقدم خدماته لكل الليبيين “بعد استكمال أعمال الصيانة والتطوير التي قامت بها الحكومة”. وجاء إعلان الدبيبة عن تعليماته بعد إعلان سابق لوزارة الداخلية بحكومته عن عزمها افتتاح المنفذ بشكل كامل صباح الاثنين، ودعت كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية للحضور لتغطية الحدث، لكن أهاليٍ من مدينة زوارة المحاذية للمنفذ أعلنوا عن تنظيم احتجاجات بالمنطقة وأغلقوا الطريق الساحلي الرابط بين زوارة والمنفذ ما عرقل إعادة افتتاحه.
وللتذكير فان احتجاجات أهالي زوارة جاءت نتيجة لما يصفونه بنقص كبير في الخدمات وبالتهميش، وشكلوا وفدا لتقديم مطالبهم للحكومة في طرابلس، لكن يبدو ان المشكلة قد ازدادت تعقيدا بعد غلق الطريق ودخول قوة مسلحة من ميليشيا زوارة الى داخل البوابة، ومنع فتحها، مثلها مثل الطريق الساحلي الذي يقول مراقبون انه يُفتح فقط أمام الحالات الانسانية العاجلة.
ويبدو ان المعالجات الامنية والاجتماعية في الجانب الليبي لا تسير على أحسن ما يرام، خاصة وأن أهالي زوارة الذين سيطروا على البوابة الحدودية لسنوات طويلة، يرفضون الى حد الان التخلي عنها، ويربطون ذلك بطلبات وشروط لا يبدو ان حكومة الدبيبة ستلبيها كلها، خاصة المتعلقة منها بالقرارات الاخيرة لوزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي، الذي يرى كثير من المتابعين أنه لم ينجح في لملمة الملف وفضّ الخلاف منذ بداية الازمة عندما لوّح باستعمال القوة، وحشّد كثيرا من كتائب حفظ النظام من طرابلس واتخذ عديد القرارات التي زادت في تعميق الخلاف بين أهالي زوارة وحكومة الدبيبة، خصوصا منها طرد وعزل ونقل كل الضباط والعسكريين الذين كانوا يمسكون بالبوابة منذ سنوات.
ويعدّ الفشل للمرة الثالثة في اعادة فتح البوابة الحدودية، فشلا لكلا الطرفين في اعادة العلاقات والتبادل التجاري والتزاور الاجتماعي الى مستوياتها السابقة، رغم ان الجانب التونسي قد التزم بكل ما نصت عليه الاتفاقات الثنائية، وقبل تقريبا كل الاشتراطات الجديدة، خاصة منها ما يتعلق بمعضلة (تشابه الاسماء) كما يسميها الجانب الليبي، وهي التي تُعرف أمنيا بـ(المسجّلين) أي الذين لا تسمح السلطات التونسية بدخولهم عادة لان اسماءهم قد وردت في مواضيع أمنية أو جنائية أو قضائية، او المعروفون في عالم التهريب والشبكات الناشطة خارج القانون.
ويبقى موضوع فتح المعبر الحدودي راس جدير من أهم الملفات العالقة بين البلدين، خاصة وانه لا يسير نحو الحسم، باعتبار مزيد تعقيد الاوضاع الذي يعيشه الجانب الليبي من البوابة، وتصاعد التوتر من جديد بين قوات وزارة الداخلية الليبية ومسلّحي زوارة، وحملات التحريض المتبادلة بين الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام ووصلت حتى الى الفتاوى والخطب والبيانات والبلاغات.
هذا الشحن الاجتماعي، ومصالح الاطراف المتنفذة في المنطقة الغربية من ليبيا، بكل تعقيداتها وخلافاتها، سواء في ما بينها او بينها وبين حكومة طرابلس، لا يبدو انها ستُحسم قريبا، وبالتالي مايزال مصير معبر راس جدير معلّقا الى أجل غير معلوم، بما يخلفه ذلك من ضرر على التجار والعمال والمرضى والطلبة والمسافرين، وأيضا ما يخلفه من اضرار مباشرة على اقتصاد البلدين باعتباره الرئة والمتنفس الأهم لطرابلس وتونس.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …