قراءة في نتائج الباكالوريا في دورها الأول : لهذه الأسباب تفاوتت نسبة النجاح بين الجهات..!
يستنتج من قراءة المعطيات الأولية المتوفرة أن نتائج الباكالوريا هذه السنة لم تكن مغايرة لسابقاتها وبنسبة نجاح في التعليم العام قدرت بـ 47.2 بالمائة وهي نسبة في مستوى المعدلات العامة لمدرستنا وعرفنا في الحقيقة سنوات كانت بالفعل استثنائية في نتائجها. وهي نسبة عندما تضاف إليها نسبة النجاح في دورة المراقبة تكون للبعض مطمئنة وحتى مفرحة، ذلك ماعبر عنه السيد رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني.
الزهروني أشار إلى أنّ المسح العنقودي الأخير الذي قام به المعهد الوطني للإحصاء خلال السنة المنقضية وعرضت نتائجه في بداية السنة الحالية خلُص إلى ان نسبة التلاميذ من نفس الفئة العمرية يجتازون امتحان الباكالوريا في حدود 36 بالمائة. أي أنّ نسبة النجاح الفعلية في الدورة الرئيسية لا تتجاوز 18 بالمائة وهي نسبة تم تداولها من طرف العديد من الدراسات والتقارير ذات الصلة وأهمها التعداد العام للسكان والسكنى والذي استخلص في بابه المتعلق بالتمدرس ان نسبة التونسيين الذين تابعوا تعليما عاليا تمثل 12 بالمائة في حين ان نسبة الذين لا يتجاوز مستواهم الدراسي مرحلة الابتدائي تتجاوز 51 بالمائة. أرقام ومعطيات خطيرة عندما نقارنها بنسب النجاح التي تحققها منظومة تربوية متوسطة الأداء مثل المنظومة الفرنسية والتي تتجاوز نسبة النجاح بها في امتحان الباكالوريا 90 بالمائة ولنا نسبة انقطاع مبكر عن الدراسة تضاهي 6 أضعاف نسبها وتصف قياداتها السياسية الوضع بالمحيّر والخطير.
وفي قراءة ثانية لهذه الأرقام من الضروري التأكيد على التفاعل السلبي بين نسب النجاح بمختلف جهات البلاد مع وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وهي علاقة ليست بالجديدة علينا. فالولايات المتواجدة على الشريط الساحلي الشرقي باستثناء ولاية قابس سجلت ارفع النسب حيث تجاوزت 50 بالمائة. وولاية صفاقس وكعادتها تصدرت الترتيب بنسب نجاح في حدود 63 بالمائة تليها ولايات المهدية والمنستير وسوسة بنسب نجاح تجاوزت 55 بالمائة. وسجلت بقية الولايات نسبا اقل من 50 بالمائة وخاصة منها الولايات الداخلية والمتاخمة للحدود التونسية الجزائرية والتي كانت نسبة النجاح بها اقل من 40 بالمائة وهي سليانة والكاف وتوزر وقبلي والقيروان وسيدي بوزيد وجندوبة والقصرين وآخرها في الترتيب ولاية قفصة والتي سجلت نسبة نجاح بـ 28.8 بالمائة.
يقول الزهروني في هذا السياق انه من البديهي أن نستنتج أن هذه المؤشرات تؤكد ان مدرستنا العمومية تعاني العديد من النقائص الخطيرة وهي مدرسة اقصائية وتقدم عروضا تربوية مختلفة حسب قدرات العائلة والجهة ولم تعد مجانية ومصعدا اجتماعيا وفقدت بالتالي شروط الجودة والعدالة الاجتماعية وهي تتغذى في واقع الأمر من ثمار تضحيات العائلات التونسية الميسورة واستثماراتها في الدروس الخصوصية.
وتحدث الزهروني عن هجرة الشعب العلمية وخاصة شعبة الرياضيات واعتبرها أمرا محيرا للغاية حيث تؤكد كل الدراسات ذات الصلة على أهمية الرياضيات وتندرج نسبة انتشارها ضمن أهم المؤشرات التي تحرص الأنظمة المتقدمة على متابعتها لتوقُّع كيفية تطوُّر الشاب في حياته ولكيفية تعامله مع المجتمع لما تساهم به هذه المادة في تطوير الطاقات الفكرية للتلميذ والرفع في قدراته على الحساب الذهني. حيث يُساهم التفوق والتميّز في مادة الرياضيات بدرجة كبيرة في فتح آفاق التكوين العالي للشاب في العديد من الاختصاصات ويرفع في مستوى طموحاته المالية وفي نسب نجاحه في حياته المهنية. فعادة ما تكون أبواب الوظائف المؤهلة لمسؤوليات ورواتب عالية وامتيازات عينيّة كبيرة مغلقة في وجه المرشّح عندما يكون مستواه ضعيفا في مادة الرياضيات. ومن المؤسف أن نسجل صمت أصحاب القرار على هجرة هذه الشعبة والتي تسجل اقل نسب المسجلين بها حوالي5 .6 بالمائة في حين أنها تبقى الشعب الأعلى في نسب النجاح في امتحان الباكالوريا.
يشير محدثنا في السياق ذاته إلى تميز الإناث مقارنة بالذكور وهي ظاهرة تتأكد من سنة إلى أخرى. فمن السهل جدا المرور بجانب الأسباب أو تضخيم واقع هو هامشي في قراءته السليمة. ويجب علينا بالتالي التعمق في دراسة هذه الظاهرة ان كانت ظاهرة وتجاوز مجرد المقارنة بين عدد الناجحات والناجحين من خلال البحث في نسب النجاح داخل فئة الإناث وداخل فئة الذكور وكذلك نسب الانقطاع المبكر عن الدراسة عند الجنسين.وننطلق على سيبل المثال من نسبة النجاح عند الإناث والتي تضاهي مرتين نسبة النجاح عند الذكور والتي تبلغ نسبة النجاح العام بها 20 بالمائة داخل نفس الفئة العمرية 13.3 بالمائة للإناث 6.7 بالمائة للذكور. ويستنتج من ذلك ان نسبة الفشل الدراسي باعتبار الانقطاع المبكر عند الإناث في حدود 38 بالمائة و44 بالمائة عند الذكور. أي ان الفارق بينهما لا يتجاوز 6 بالمائة ونحن انطلقنا في بداية تحليل الأرقام من ضعف نسبة النجاح عند الإناث مقارنة بالذكور.
الاستنتاجات السطحية تؤدي قطعا إلى اعتماد حلول خاطئة لان الوضع اليوم يتطلب البحث عن الكيفية لإنقاذ المدرسة لا عن تضييع الوقت في التركيز على ظواهر جانبية أواستثنائية.
من الملفات التي تستدعي حلولا عملية : البناءات العشوائية تبعث الفوضى…وتثير الاستياء
عرفت بلادنا سنوات من الفوضى كانت «مرتعا» لطغمة من الفاسدين أتوا على الأخضر واليابس ولم يتر…