2024-05-03

في اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 ماي 2024 | مئات الصحافيين بين شهداء ومعتقلين والحرية ملوّثة ومطاردة في كل مكان : بالفعل.. الصحافة في مواجهة «أزمة بيئية»..!

كما جرت العادة منذ سنة 1993، تحتفل المجموعة البشرية اليوم 3 ماي 2024 باليوم العالمي لحرية الصحافة، وقد اختارت الأمم المتحدة أن تُجرى الاحتفالات هذا العام تحت شعار «صحافة من أجل الكوكب: الصحافة في مواجهة الأزمة البيئية».

وبالفعل فان الصحافة في عالمنا اليوم تواجه أزمة بيئية ليس بالمعنى المادي المحسوس والمعتاد ولكن بالمعنى القيمي والسياسي والقانوني والاجرائي، فهذه المهنة تُمارس اليوم في بيئة جدّ ملوّثة، لسنا نغالي حين نقول أنها بيئة معادية للحرية ومعادية للحياة وبالتالي فهي ليست بيئة مناسبة لممارسة مهنة الصحافة التي يعتبرها البعض سلطة رابعة وحجر الزاوية في البناء الديمقراطي.

في فلسطين لوحدها ومنذ انطلاقة ملحمة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 سقط حوالي 150 شهيد في صفوف الصحافيين في غزة بالأساس والضفة وجنوب لبنان أيضا الى جانب العشرات من التقنيين والموظفين في المؤسسات الإعلامية التي لم تسلم بدورها من الاستهداف المباشر من الكيان الصهيوني بمختلف الأسلحة الفتاكة على مرأى ومسمع من العالم.

ولم تقف الانتهاكات التي تطال الصحافة عند حدود فلسطين المحتلة بل رصدت النقابات والجمعيات المهنية في المنطقة العربية وفي العالم حالات عديدة وممنهجة من التضييق على الحريات ومن الإيقافات العشوائية والمحاكمات الجائرة على أساس تشريعات زجرية منافية لحقوق الانسان تستعملها الأنظمة للجم الأفواه ومحاصرة الخصوم تارة باسم الحفاظ على الأمن القومي وتارة أخرى تحت يافطة إرساء الديمقراطية وتكريس المساواة بين المواطنين إذ لا حصانة للصحافي كفرد من أفراد المجتمع..

إننا بالفعل أمام أزمة بيئية، والبيئة هنا ليست فقط شجرا وترابا وماء وهواء ملوثا بشكل غير مسبوق في التاريخ البشري جراء الإفراط في التصنيع العشوائي واستعمال الطاقات التقليدية العفنة المشتقة من البترول وغيره، بل هي وسط للعيش الكريم كما جاء في أدبيات منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وسط فيه مقدّرات طبيعية سليمة وفيه حياة بشرية سليمة أيضا.

وحتى بالمعايير التقنية الأممية فان البيئة معادية اليوم للصحافة والصحافيين في مشارق الأرض ومغاربها وخصوصا على أرض فلسطين التي قصفها الكيان الصهيوني بكميات مهولة من الذخائر والأسلحة التقليدية الملوّثة، دون أن ننسى حالة مراكز الاحتجاز والسجون وحتى عديد المؤسسات الإعلامية التي لا تتوفر فيها شروط السلامة المهنية علاوة على الأوضاع الهشة للعاملين في قطاع الصحافة وتدهور قدرتهم الشرائية وانعكاس ذلك على حياتهم اليومية.

ليس ذلك فحسب، ثمة ضروب مستجدة وأشكال مستحدثة من التلوث البيئي تضرب حرية الصحافة ومعاييرها الأخلاقية في مقتل كما يقال، ونتحدث هنا عن التضليل الإعلامي والأخبار الزائفة والصنصرة والرقابة الذاتية واستفحال هيمنة لوبيات المال والسياسة.

ومن المضحكات المبكيات هذا العام وحتى خلال السنوات القليلة الماضية اتساع دائرة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة رسميا وشعبيا تماما مثل الأيام العالمية الأخرى المتصلة بحقوق الإنسان عامة أو الحقوق الخاصة ببعض الفئات كالمرأة أو اللاجئ أو الطفل أو العامل وغيرهم وهو إن كان في ظاهره أمرا محمودا فهو يخفي مخاطر جمّة أبرزها حرص الجهات الرسمية في تقديرنا على التمييع والاحتواء وإعطاء الدروس فوق كل ذلك.

ولكم أن تتخيلوا أن الإدارة الأمريكية تقول لنا في 3 ماي  في بيان رسمي أن «السجن ليس التهديد الوحيد الذي يواجهه الصحفيون، الذين يتعرضون، أثناء تغطيتهم أحداث الصراع العنيف والفساد، للترهيب والاختطاف، وغالبا ما يتم ارتكاب ذلك مع الإفلات من العقاب، بينما يعاني زملاؤهم في أماكن أخرى من التمييز والرقابة واستخدام أنظمة العدالة كسلاح ضدّهم. وتستخدم حكومات في جميع أنحاء العالم أدوات مختلفة للقمع لإجبار وسائل الإعلام على الإغلاق..!».

ان احتفال الأنظمة الرسمية باليوم العالمي لحرية الصحافة تحديدا لا يستقيم في الوقت الذي تصمت فيه هذه الأنظمة عن الانتهاكات التي تتجاوز حدود ممارسة المهنة الصحفية لتصل الى أبسط الحقوق الإنسانية وعلى رأسها حق الصحافيين في الحياة..!

ولا ننسى كذلك معضلة الكيل بمكيالين لدى الديمقراطيات العريقة والناشئة على حد السواء، والأدهى والأمرّ بعض المنظمات العاملة في حقول الحقوق والحريات، فالفدرالية الدولية للصحافيين على سبيل الذكر لا الحصر والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس واتش والعفو الدولية والمادة 19، التي يهرول بعض قادتها إلى هذه الدولة او تلك في ربوعنا العربية والإفريقية عندما يتعلق الأمر انتقائيا أيضا بصحافي دون آخر، لم يجرؤ هؤلاء القادة على مجرّد التفكير على الأقل في إعلان اعتزام الدخول الى قطاع غزة أو الضفة الغربية لمعاينة جرائم الإبادة المقترفة في حق الصحافيين الفلسطينيين والمؤسسات الإعلامية في فلسطين المحتلة على ايدي جيش الاحتلال الصهيوني..

وحتى بالنسبة الى الهيئات والوكالات الأممية والإقليمية فالعتاب يفرض نفسه بما ان اليونسكو مثلا أو الألكسو أو الايسيسكو وغيرها لم يؤثّر فيها بعد استشهاد 150 صحافي في فلسطين المحتلة للمبادرة بردّ فعل في مستوى هذه الجريمة.

انها بيئة ملوثة بكل المقاييس والاعتبارات وطنيا وإقليميا ودوليا، وليس أمامنا سوى التعاطف مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش وتكرار صرخته في اليوم العالمي لحرية الصحافة: «لتتوقف التهديدات والاعتداءات، ليتوقف احتجاز الصحفيين وسجنهم، ليتوقف استهداف الحقيقة ورواة الحقيقة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لتحقيق التنمية الاقتصادية، السلم الاجتماعي والإشعاع الدولي : التونسيون بالخارج طرف رئيسي في المعادلة

كشف مدير عام ديوان التونسيين بالخارج خلال شهر مارس الماضي أن عدد الجالية التونسية بالخارج …