2024-05-02

كلمة الطبوبي من شرفة المبنى التاريخي بعد ترميمه : ضرورة تجديد الخطاب وفصله..!

احتفلت تونس أمس الاربعاء غرّة ماي بعيد العمال العالمي أو «عيد الشغل» كما هو دارج محليّا… وبالمناسبة ومن باب الاعتراف بالجميل نتوجه الى كل «عمّال تونس» ـ فكرا وساعدا ـ متقاعدين ومباشرين اباءً وأبناءً ـ جيل التأسيس وجيل الامتداد ـ لنقول لهم شكرا على مساهماتكم وعلى دعمكم الذي لم ينقطع أبدا والذي بفضله تمّ تجديد المبنى التاريخي ببطحاء محمد علي والذي تحول الى «مبنى فاخر» وحديث دون ان يتخلّى عن خصوصياته المرجعية والتاريخية… شكرا «لعمّال تونس» على هذا الانجاز وهو ـ في العمق ـ من عرقهم ومن دمهم ومن نضالاتهم منذ جيل التأسيس الى جيل الامتداد…

تغيّر المبنى ـ بعد عناء ـ وعاد الاتحاد العام التونسي للشغل الى قواعده سالما غانما ـ كما يقولون ـ بعد راحة مطولة لم يخض خلالها معتركا واحدا رغم ما على الأرض من «معتركات» صعبة تدعو كلّها الى «التدخل السريع» والى إبداء الرأي والى الاصداح بمواقف واضحة والى خوض حوار ونقاش بصوت عالٍ والى فتح الابواب المغلقة والى كسر ما عليها من أقفال من أجل انهاء «الوضع الجليدي» بين المنظمة والسلطة التنفيذية وبالتالي اعادة ترميم العلاقة بين الطرفين بما يحدث ذاك التوازن المفقود اجتماعيا وبما يمهّد للحوار المشتهى بين كل الأطراف..

ويبدو أن الاتحاد قد اختار «ترميم» المبنى أولا… وعلّها تلك أولوية من أولوياته لذلك «لاذ بالصمت»… فلا صوت الاّ بعد اكتمال الصورة…

الآن وقد اكتملت الصورة وتوزع «سكان المبنى» على مكاتبهم الجديدة بعد حفل تدشين حضره الراسخون والوافدون قواعد وقيادات… الآن من حقّنا ان نسأل وماذا بعد «ترميم المبنى»…؟ ماذا عن «المعنى» ـ أي المحتوى…؟ ألم يحن الوقت لتجديد الخطاب وفصله عن «الشعارات»…؟ ألم يحن الوقت لملء الفراغات الكبرى بمواقف وطنية حقيقية و«بجُمَلٍ فعلية» ـ لا نَعتَ فيها ولا منعوت ـ.. ألم يحن الوقت للانخراط في معركة تونس ضدّ الانتهازية والفساد وكل أشكال الاحتكار…؟ ألم يحن الوقت لتنخرط المنظمة الشغيلة في خوض معركة تونس ضدّ كل محاولات اختراقها من الداخل والخارج ومن كل محاولات التدخل في قرارها السيادي…؟ أليس غريبا أن لا نسمع موقف الاتحاد من الهجرة غير النظامية ولا موقفه من التوافد الحاشد لافارقة جنوب الصحراء على تونس وقد تحوّل الى ظاهرة خطيرة مهددة للأمن القومي ولسلامة مواطني البلد…؟

أليس غريبا ان لا نسمع موقف الاتحاد من تدخلات ومقترحات الشريك الأوروبي في ما يخصّ الهجرة غير النظامية خاصة وأن للمنظمة قسم دراسات وبحوث متعدّد الاختصاصات وفيه من الكفاءات المؤهلّة لتقديم رؤية كاملة بل خارطة طريق للتخفيف ـ على الأقل ـ من حدّة الظاهرة… فلِمَ كل هذه العطالة…؟ هل ثمّة ما يمنع ـ موضوعيا ـ قسم الدراسات بالمنظمة من خوض هذا «المعترك النضالي»…؟ أم ان الاتحاد غير معنّي بالمعركة ضدّ الهجرة غير النظامية بما في ذلك توافد أفارقة جنوب الصحراء على تونس وقد سبق للمنظمة أن ساندت وجودهم وفتحت لهم أبواب الاتحاد لتلقي «تكوين نقابي في كيفية الدفاع عن حقوقهم»…!! وكانت السياقات تسمح بذلك وقتها خاصة بعد تعرّض عدد من الافارقة الى الاعتداء على حقوقهم الشغلية من طرف مشغليهم التونسيين لذلك نحن لا نلوم الاتحاد ـ هنا ـ عندما دافع عن حقوقهم المادية المنهوبة وعندما عرض عليهم تكوينا نقابيا…

ونحن هنا نطرح كل هذه الاسئلة للتأكيد على أن دور الاتحاد العام التونسي للشغل لا يمكن حصره في معارضة السلطة ـ أي سلطة كانت ـ ولا في التحريض عليها… وإنما هو مطالب بفتح أبواب الحوار معها والعمل على توسيع هذه الأبواب كلّما ضاقت… فهو ـ هنا ـ ليس خصما للسلطة وإنما هو شريك موضوعي يدفع باستمرار نحو التهدئة ونحو الاستقرار المجتمعي ويعمل على «افتكاك» حقوق الشغالين عبر الحوار وعبر عقد اجتماعي يضبط العلاقة الموضوعية بين السلطة والمنظمة الشغيلة ونحن نتحدث ـ هنا ـ عن أدبيات أخلاقية وقانونية تنظم هذه العلاقة وتحدّد مربعات التحرك لكل طرف وهي ذات «الأدبيات» التي تجعل من كل أشكال التصعيد محدودة ومن النادر أن تصل ـ في الأخير ـ إلى أيّ شكل من أشكال «الاصطدام المباشر».. يحدث هذا في «الانظمة الديمقراطية» التي لا ترى الحق باطلا لذلك لا تمنعه عن طالبيه ما يجعل من العلاقة بين السلطة والنقابات في مثل هذه «الاحوال الديمقراطية» علاقة تشاركية الأولوية فيها لمصلحة الوطن ومواطنيه…

أطل السيد نور الدين الطبوبي ـ بعد غياب ـ من شرفة «المبنى المُرَمّم» لكنه ـ كما بدا لنا ـ نسي أو هو لم يجد الوقت لترميم الخطاب بفصله عن «شعارات» ـ ما قبل الترميم ـ … ولم ينس أن يذكّر الحشد بأن «الاتحاد قوّة وعدم الاستجابة لمطالب عماله الشرعية سيدفعهم للتحرك»…

في الظاهر تبدو كلمة الطبوبي من «شرفته المُرَمّمَة» تصعيدية خاصة عندما يقول :«بأن الاتحاد يشكّل قوّة لا يمكن لأحد ان يتجاهلها وهذه القوّة تتحرك لأخذ حقوقها بنفسها في صورة عدم الاستجابة لمطالبها المشروعة»… نحن ـ هنا ـ أمام «تصعيد لساني» ويدرك الطبوبي ـ وما جاوره ـ أنه ـ هنا ـ إنما هو كذاك الذي يصرخ في الفراغ بحيث لا صدى لغير صوته المرتدّ… خاصة وأن السيد الأمين العام الذي خرج الىالناس بعد «صمت طويل» قد عوّد القواعد بمثل هذا «الكلام التصعيدي» والذي لا يرجو منه غير دفع الحماسة الى أقصاها ـ في حدود البطحاء ـ وهذه ـ أيضا ـ من أجل ترميم المعنويات لا أكثر، وهنا ندعو السيد الطبوبي بالعودة الى آخر كلمة توجه بها الى عمّال تونس وسيكتشف أنه لم يغادرها أبدا وبأنه لم يتمكّن من صياغة «جملة فعلية» حقيقية يمكن ترجمتها على «الأراضي الفعلية الشاسعة»… وما يحسب للسيد الأمين العام أنّ تشخيصه كما ورد في كلمته غير مجانب للصواب وهذا ما يفسّر «حالة التيه» والتردّد التي كان عليها… فالوعي بطبيعة المرحلة قد يتحوّل الى هذيان في حالات العطالة والعجز…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

حتى لا يتحوّل «الحقد» الى «ثقافة وطنية»..!

كيف ينشأ خطاب الحقد والكراهية…؟ مما يتغذى حتى يكبر ويتحوّل في الأخير الى تمرين يومي …