في الشأن التربوي – «الباك سبور» : المراقبة المستمرة هي الحلّ
يثير اختبار التربية البدنية في الباكالوريا أو ما اصطلح على تسميته بين عامة الناس بـ «باك سبور» جدلا متزايدا كل سنة وأصبح حدثا ينتظره المترشحون لامتحان الباكالوريا ، لكن وللأسف يولّد ذلك الحدث كل سنة مأساة بسبب التجاوزات المتعددة التي ترافق هذا الاختبار في كل دورة، وعديدة هي الحوادث التي كانت شديدة الإيلام للعائلات التونسية من قريب أو من بعيد وللتلاميذ أنفسهم عندما لاحظوا النتائج الوخيمة التي أفرزها تهور بعض زملائهم في الطريق العام . فمتى يتم إلغاء هذا الاختبار بهذه المقاربة وتعويضه بمقاربة جديدة تثمن التربية الرياضية وتجنب الناشئة ما يحدث بمناسبة الاختبار من سلوكات غير حضارية خطيرة ؟
أصبح اختبار التربية البدنية بالنسبة للمترشحين للباكالوريا تاريخيا إجباريا في تونس منذ سنة 1963 لأنه سنّ قبل ذلك اختياريا سنة 1962 بعد إرساء المنظومة التربوية الجديدة لسنة 1958 . وعرف الاختبار بعد تلك الفترة عدة تطورات أفرزتها النصوص القانونية المتعاقبة لسنوات 1981 و 1991 و 2002 والتي ركزت على سبل إجرائها وكيفية احتساب معدل التربية البدنية بالنسبة للمترشحين للباكالوريا. وفي سنة 2010 تم اتخاذ قرار بإلغاء هذا الاختبار لعدة أسباب من أهمها ما أفرزه من إشكالات آنذاك وخاصة السلوكات المتهورة لبعض التلاميذ بالمناسبة ، إلا أن القرار ألغي سنة 2012 وعادت «الباك سبور» للحياة من جديد بنفس المقاييس والإجراءات السابقة دون معالجة الإشكالات التي أدت إلى اتخاذ قرار إلغائها، وعاد حولها نفس الجدل السابق . وبسبب وباء الكوفيد، اضطرت الإدارة إلى اتخاذ قرار الإلغاء من جديد سنتي 2020 و 2021 رغم أن قرارا صدر سنة 2014 فرض على المترشحين للباكالوريا اجبارية اجتياز «الباك سبور» بالنّسبة إلى تلاميذ المعاهد العموميّة وعدم الاكتفاء بالمعدل السنوي لمادة التربية البدنية.
الاحتفال وبعد؟
لقد كانت الاحتفالات المرافقة للاختبار وما زالت هي المشكل الأساسي المؤثر على تنظيمه في ظروف طيبة . فعرف الامتحان بالاستعدادات المسبقة التي يشرف عليها المترشحون بأنفسهم وينفقون الأموال في ما يسمونه بـ «الدخلة» . وتصاحب الامتحان احتفالات يتوسع نطاقها من مقر الاختبار نحو الشوارع المحيطة أو شوارع المدينة التي تحتضن الاختبار باستعمال السيارات والدراجات النارية . وهنا تبدأ المنافسات بين سائقي السيارات من التلاميذ الذين يحتفلون كل بطريقته التي تتجاوز عند بعضهم حدود القانون لتصبح تهورا أدى في عدة أحيان إلى حوادث مروعة منها ما أودى بحياة بعض ممن ما زالوا في عنفوان الشباب . ولهذا السبب بالذات تعالت الأصوات المنادية بضرورة إلغاء هذا الاختبار حفاظا على شبابنا وعلى المال العام .
الإلغاء يرتكز على حجج
ولأجل ما ذكرنا تعالت عديد الأصوات المنادية بإلغاء طريقة إجراء الاختبار والمحافظة عليه من بين المواد في امتحان الباكالوريا لكن بطريقة مغايرة تحفظ سلامة التلاميذ وتحميهم من تبعات بعض السلوكات غير الحضارية والتجاوزات المختلفة التي تحف بها . والحجج التي تدعم هذا الرأي عديدة وكتبت فيها مقالات مختلفة ومنها ما أشير إليه سابقا عند إلغاء الاختبار سنة 2010 . ونذكّر هنا بأهمها:
الحوادث التي رافقت احتفالات التلاميذ واستعراضاتهم بالمناسبة باستعمال جحافل السيارات والدراجات النارية التي تعطل المرور والتي نجمت عنها حوادث خطيرة بينها السلوكات غير الحضارية والتجاوزات المختلفة التي يأتيها عديد التلاميذ أمام المعاهد وفي الشّوارع، التكلفة الباهظة للاختبارات على المجموعة الوطنية، تعطل عمل مدرسي التربية البدنية منذ شهر أفريل من كل سنة وخاصة مدرسي الأقسام النهائية والدروس الخصوصية التي أفرزها الاختبار سمتها أنها دروس مكثفة لمدة وجيزة وبمبالغ باهظة .
لهذا من الضروري التفكير في مقاربة أخرى لهذا الاختبار ليثمن مادة التربية البدنية لكن لا يجعلها وسيلة يستغلها بعض التلاميذ لإتيان تصرفات وسلوكات غير حضارية . ويمكن في هذا الصدد احتساب معدل التربية البدنية في الباكالوريا باعتماد المراقبة المستمرة كما في دول منظمة ocde وفي الصين وفي عدة منظومات تربوية . ويمكن تقييم كفايات تلاميذنا في التربية البدنية باعتماد المراقبة المستمرة على مدى السنتين الأخيرتين من التعليم الثانوي وباحتساب معدل السنتين على أن يتم تحديد الكفايات التي يتم تقييمها كل سنة بكل دقة وفي علاقة بما يتوفر من منشآت رياضية في المؤسسات التربوية .
اليوم العالمي للمدرّسين 2024 : المدرّس هو القلب النابض للعقد الاجتماعي الجديد
أقرت اليونسكو منذ سنة 1994 بتوصية مشتركة مع منظمة العمل الدولية تقليدا مهما بالنسبة للتعلي…