من بين الأحداث الأمنية التي تم رصدها في الساعات الأخيرة تفكيك شبكة خطيرة تنشط في مجال الاتجار بالبشر. وتفيد التفاصيل المتعلقة بهذه الواقعة و التي اعلن عنها بلاغ الإدارة العامة للحرس الوطني ان زعيم هذه الشبكة الخطيرة عمد الى استخدام هوية شقيقه المتوفي في مختلف معاملاته المالية.
هذا وقد تمت إحالة الموقوفين العشرة على أنظار النيابة العمومية بصفاقس وتم اصدار تسع بطاقات إيداع بالسجن في شأنهم ومن بينهم فرد يعمل في مجال بيع الحديد المعد لصناعة القوارب التي تستخدم في الهجرة غير النظامية وقد قام هذا الأخير بتزوير فواتير بمبالغ مالية ضخمة.
ولا يتوقف الامر عند هذا فقد أسفرت الأبحاث التي تم التنسيق خلالها بين وحدات الاستعلامات المركزية ونظيراتها في نابل وقابس ومدنين وجربة وقرمبالية وكذلك مصالح التجارة بنابل عن حجز اربع شاحنات معدة لنقل الحديد الى جبنيانة مع سيارة معدة لكشف الدوريات الأمنية.
والأكيد ان الخيط الرابط بين الإتجار بالبشر كجريمة عابرة للحدود وبين الهجرة السرية جليّ في هذه الواقعة الاجرامية وفي غيرها من الوقائع التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك ان كل ما يحدث منذ فترة في كل من العامرة وجبنيانة وولاية صفاقس عموما من التواجد الكثيف للأفارقة جنوب الصحراء والتحركات المشبوهة التي تحدث هنا او هناك بخصوص هذا الملف هي قطعا أمور مشبوهة تحرك خيوطها أصابع ماهرة من خلف الستار تهدف الى إشاعة الفوضى والبلبلة في تونس من ناحية ومن ناحية أخرى محاولة استغلال الوضعية من اجل جعل بلادنا فضاء للاتجار بالبشر خاصة مع توافد هذه الموجات البشرية القادمة من بلدان الساحل والصحراء والتي تعاني من أنواع متشابكة من الهشاشة وهو ما يمكن توظيفه بسهولة لاستغلال هؤلاء أبشع استغلال والمتاجرة بأجسادهم وأحلامهم على حد سواء.
ولعل هذا ما يجعل ملف الهجرة السرية معقّدا ومتعدّد الأبعاد وهو ما أشرنا له في اكثر من مناسبة فالأمر لا يتعلق فقط بوجود أجانب بشكل غير قانوني في بلد ليس لديهم ما يفعلونه تحت سمائه وهو امر خطير قطعا ولكن هناك خطورة أخرى تكمن في تداعيات هذا الوجود اللاقانوني واللامنطقي أيضا وهو ما يهدد بتوترات اجتماعية في المجال الجغرافي الذي يتركزون فيه وأيضا ينذر بتداعيات خطيرة من شأنها ان تفاقم هذه الازمة ومن بينها قضية الاتجار بالبشر التي أصبحت ملفا حارقا ينبغي التطرق له ومعالجته سريعا.
فالوجود الكثيف لفئة من البشر غير متجانسين ولا نعلم شيئا تقريبا عن هويتهم ومن أين أتوا وفي أي ظروف عاشوا قبل القدوم الى تونس هو قطعا مشكلة في حد ذاته فمابالك إذا وضعنا فرضيات دقيقة بهذا الخصوص فهناك من شارك في حروب وضالع في الدماء وهارب من العدالة وهناك من تمرّس بالعنف جراء وجودهم في بلدان تشقها صراعات طائفية وعرقية وهناك من ينتمي الى تنظيمات إرهابية حيث لا ننسى بوكو حرام ونقل داعش لنشاطه الى فضاء بعض بلدان الساحل والصحراء. وهذا كله يجعل وجودهم قنبلة موقوتة تنذر وتهدد بالانفجار في كل لحظة.
واذا كنا قد حذّرنا من قبل من الإشكاليات الاجتماعية والبيئية والصحية والاقتصادية والمالية ومن مشاكل الاندماج فإن إحدى اخطر التداعيات هي التي انطلقنا بها في مستهل المقال وهي التجارة بالبشر التي يبدو انها أصبحت واقعا وعلينا مجابهته.
ومن الواضح من خلال تفكيك الشبكة المذكورة أعلاه ان القوات الأمنية تتعامل بمنتهى الجدية مع هذا الملف الحارق.
هذا أمنيا أما سياسيا فإن اللقاء التشاوري الذي دعت اليه تونس مؤخرا وانعقد على ارضها بمشاركة جزائرية ليبية ينبغي ان يفضي الى أطروحات دقيقة بشأن ملف الهجرة السرية المعنية به كل البلدان الإفريقية كما ان التفاوض لا ينبغي ان تقوم به تونس منفردة مع الاتحاد الأوروبي او أي طرف يمثله فبلدان الجوار لابد ان تدعمنا بهذا الخصوص.
كما انه من المهم ان لا تقتصر مفاوضاتنا ونقاشنا المعمّق بشأن هذا الملف مع الاتحاد الأوروبي فحسب فلا ننسى الاتحاد الافريقي وهو الأكثر اطلاعا على ظروف وربما ملابسات ما يحدث في بعض البلدان التي يفرّ منها هؤلاء الوافدين.
الديبلوماسية استشراف وتوقّع وليست عملا روتينيا..
اعتمدت تونس طوال تاريخها على ما يمكن أن نسمّيه الديبلوماسية الهادئة بعيدا عن الصخب والاستع…