2024-04-27

تونس وفرنسا: البحث عن حلول للقضايا المشتركة على أساس الندّية

العلاقات بين تونس وفرنسا لا تحتاج الى أدلّة ملموسة عن رسوخها ولكنه من المهم أيضا ان نذكر ان ارتباطنا بالشريك الأوروبي الأول اقتصاديا قد عرف دوما فترات مد وجزر لم تؤثر جذريا على طبيعة العلاقة بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما. والأكيد اليوم ان الاحداث المتلاحقة والمتسارعة التي يعيشها العالم تحتاج الى  التنسيق والتشاور بين بلدينا خاصة في الملفات ذات الاهتمام المشترك كما يقال بلغة الديبلوماسية.

وفي هذا الاطار يمكن تنزيل التواصل بين المسؤولين الفرنسيين والتونسيين وهو تواصل دائم ولم ينقطع ابدا.

نقول هذا على خلفية الاتصال الهاتفي الذي جرى بين كل من رئيس الجمهورية قيس سعيد ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون.

ولم يفوّت رئيس الجمهورية هذه المناسبة ليؤكد لرئيس فرنسا ان تونس تريد ان تتعامل مع شركائها بندية. واكيد ان هذا التأكيد يدرأ عن تونس أي إمكانية من قبل أي دولة لتكون تابعة لها فنحن نتعامل مع الأصدقاء والاشقاء الند للند وهذه حقيقة موضوعية ينبغي اخذها في الاعتبار  دائما.

وكانت هذه المحادثة الهاتفية بين الرئيسين سعيد وماكرون فرصة للتباحث بشأن المواضيع التي تهم البلدين سواء تعلق الامر بالعلاقات الثنائية المباشرة او علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي ككل.

ومن الطبيعي ان يكون ملف الهجرة السرية في صدارة المواضيع المطروحة نظرا لخطورته وآنيته أيضا. فمعلوم ان تونس تعاني من توافد غير مسبوق من موجات من الأفارقة جنوب الصحراء الذين يقيمون على ارضها بطريقة غير قانونية وأصبحوا يشكلون مشكلة امنية واقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية والنموذج الواضح اليوم هو الوضعية في ولاية صفاقس. والتي مافتئت تتفاقم يوما بعد آخر وتحتاج الى حلول عاجلة وجذرية. وقطعا تحتاج تونس الى دعم من الشركاء الأوروبيين ومن ضمنهم فرنسا لتفكيك الشبكات الاجرامية التي تقف خلف هذه الوضعية والتي تقوم بالاتجار بالبشر وبالأعضاء البشرية وهي مجموعات إجرامية عابرة للحدود  والقارات ومخاطرها تشمل الجميع.

وخلال هذا الاتصال الهاتفي ذكّر رئيس الجمهورية نظيره الفرنسي بموقف تونس الثابت الرافض قطعيا لتوطين هؤلاء المهاجرين على الأراضي التونسية التي لا تربطهم بها حدود مباشرة ويفدون عليها من اجل العبور الى الضفة الأخرى من المتوسط هربا من البؤس الذي لا يد لتونس بصفة مباشرة او غير مباشرة فيه. بل إن وجودهم بهذه الكثافة هو أمر مشبوه من الأساس.

ومن الملفات التي تم التطرق اليها موضوع حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ حوالي سبعة اشهر ودعا رئيس الجمهورية قيس سعيد مرة أخرى الى ضرورة الوقف الفوري لهذا العدوان والأكيد فرنسا يمكن ان تلعب دورا في هذا الملف اذا ما ارادت ذلك وقامت بالمراجعات اللازمة إزاء القضية الفلسطينية في بعدها الإنساني المأساوي اليوم.

إذن تأتي هذه المكالمة المهمة لتؤكد ان تونس على عكس ما يقال ليست في عزلة ديبلوماسية كما تروّج بعض الأطراف المناوئة وانها في تواصل دائم مع شركائها التقليديين وانها في تنسيق مستمر معهم وهي متمسكة بالندية في هذه العلاقات ورافضة لأي تبعية مذلة بهذا الخصوص رغم حدة وطأة الأزمة الاقتصادية والحاجة الى الدعم في هذه الظرفية.

وفي سياق متصل تدحض هذه المكالمة ما يدور بين بعض الأطراف السياسية القائلة بوجود فتور في العلاقات التونسية الفرنسية وتؤكد ان تونس منخرطة في محيطها الإقليمي ومتمسكة بشراكاتها التقليدية دون ان يكون هذا على حساب السيادة الوطنية او مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية دونما قيد او شرط.

كما تفنّد هذه المكالمة القول بأن فرنسا لا تبدو معنية بملف الهجرة السرية الذي تصدرت له إيطاليا في شخص رئيسة حكومتها جورجيا ميلوني وهي فرصة للتأكيد على ان باريس كذلك تؤرقها الموجات البشرية الوافدة  من الضفة الجنوبية وتشكل خطرا عليها بأشكال مختلفة ولابد ان تساهم بشكل مباشر في التنسيق مع المتداخلين في هذا الملف وأولهم تونس من أجل التخفيف من تداعياته على الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الديبلوماسية استشراف وتوقّع وليست عملا روتينيا..

اعتمدت تونس طوال تاريخها على ما يمكن أن نسمّيه الديبلوماسية الهادئة بعيدا عن الصخب والاستع…