2024-04-12

مع اقتراب ذروة الطلب على المياه : كيف ستواجه بلادنا المطالب العاجلة والرهانات الآجلة؟

تستعد بلادنا مع اقتراب ذروة الطلب على المياه في هذه الصائفة لاستعمال آلية قطع المياه والتحسيس بأهمية ترشيد الاستهلاك  من أجل ضمان توفير الامدادات الكافية من مياه الشرب خلال صيف 2024 وذلك اعتبارا لوضعية المياه التي وصفها كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالمياه، رضا قبوج في تصريح إعلامي مؤخرا بـ «غير المريحة» انطلاقا من ان الوضعية خلال الصائفة الماضية كانت صعبة للغاية.

ويتم منذ فترة التنسيق بين وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وبقية الأطراف المتداخلة لوضع برنامج تفصيلي عن توقيت والمناطق المعنية بقطع المياه في أغلب أنحاء الجمهورية التونسية بصفة مؤقتة وبالتناوب من أجل تأمين الطلب المتزايد على الماء في المدة القادمة.

وبالرّغم من توفر النصوص القانونيّة المنظّمة لقطاع المياه التي تعود جذورها إلى سنة 1885 والتي وقع جمعها تحت عنوان «مجلة المياه»، والمعروضة حاليا للتنقيح والتعديل بهدف الحد من أزمة المياه في تونس وتأمين الأمن المائي للشعب التونسي وللأجيال القادمة في المستقبل، ما يزال سوء التّوزيع بين السّكان والجهات السّمة البارزة لهذه الموارد المائية.

عناوين لأسباب الأزمة..

ومن بين أسباب أزمة المياه في تونس نجد زيادة الطّلب على الماء نتيجة التغيّر الديمغرافي والزيادة السكانية وزيادة الطّلب على الغذاء وحدّة المنافسة بين القطاعات الاقتصاديّة على هذه الموارد. حيث تفاقمت هذه الأزمة على اثر ضعف إدارة المياه وحمايتها وقلّة الاعتمادات الماليّة الضرورية لتنمية الموارد المائيّة والبحث عن موارد جديدة.

كما تعتبر ظاهرة التغيّرات المناخية التي تعود أسبابها الأساسية إلى الدول المصنّعة التي ما فتئت تتراخى في تنفيذ تعهداتها التي التزمت بها في أكثر من مناسبة انطلاقا من قمة باريس للمناخ التي انعقدت عام 2015 والتي تعهدت فيها بتوفير حوالي مليار دولار سنويا للدول النامية المتأثرة سلبا بالتغيّرات المناخية والتي تجلت مظاهرها عموما في  قلة الموارد المائية نتيجة ارتفاع الحرارة وتتالي سنوات الجفاف، حيث أثّر نقص الأمطار وسنوات الجفاف المتعاقبة منذ سنة 2016، على الموارد الجوفية من المياه التي تتغذى من التساقطات المطرية مما أدى إلى هبوط المائدة المائية.

ويمكن القول في هذا السياق أيضا أن حفر الآبار العشوائية، أثّر بشكل مباشر في نقص الموارد المائية المخصصة للرّي لإضرارها بالمائدة المائية خاصة في ظل الموارد المحدودة للبلاد ،حيث تفيد آخر الأرقام إلى وجود قرابة 40 ألف بئر في تونس من بينها 30 ألف بئر عشوائية، وتوجد 10 آلاف بئر عشوائية في ولاية قبلي.

ويأتي في هذا الإطار تأكيد كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالمياه، رضا قبوج في تصريح إعلامي مؤخرا على أن وزارة الفلاحة بصدد معالجة هذه الظاهرة، وذلك من خلال عقد عديد الجلسات مع الوزارات المعنية على غرار وزارة الداخلية. وقد تم مدّ وزارة العدل بالمحاضر المتعلقة بالتعدي على الملك العمومي للمياه.،خاصة وأن  الطلب على المياه في تونس يقارب 3،8 مليار متر مكعب سنويا يتم تعبئة 75 بالمائة منه من خلال الآبار التي تستخدم المائدة المائية علما وان هذه الظاهرة أدت إلى تضرر عديد الموائد المائية. حيث سجّلت بلادنا مع حلول يوم 4 افريل 2024، تراجعا في المعدل السنوي للإيرادات بنسبة تقارب ٪30.

توفير مياه الشرب في صدارة الأولويات..

فبلادنا أصبحت منذ سنوات مصنفة من البلدان التي تقع تحت خط الشح المائي وهي مهددة رسميا بالعطش في غضون السنوات القادمة ،حيث يتوقع في غضون العقدين القادمين أن تكون مسألة توفير الماء الصالح للشراب  في صدارة اهتمام تونس. وهو ما دفع إلى الذهاب نحو توخي سياسات كبرى للدولة يتم الاشتغال عليها في إطار إستراتيجية المياه في أفق 2050.

وبالرجوع إلى عديد المؤشرات الدولية و الوطنية، تصنف تونس من الدول التي تعاني من الفقر المائي. فعلى الرغم من أهمية الجهود المعتمدة لمواجهة هذا الإشكال منذ عقود عبر سياسات مائية تمت بلورتها وتنفيذها، الا ان هذا لم يردع الفقر المائي الذي بدأت بوادره بالظهور في السنوات القليلة الماضية.

والواضح أن النية لأغلب بلدان العالم بما فيها تونس تتجه اليوم لتغيير كبير في هذا المجال فقد ركّزت استراتيجياتها المستقبلية على الاعتماد على تحلية مياه البحر لتأمين حاجيات البلدان من الماء الصالح للشراب، وعلى هذا الأساس هناك من قام بتركيز محطات كبرى للاستفادة من مياه البحر مثل المغرب وغيرها من الدول الأخرى رغم تكلفتها الباهظة وهو التوجه التونسي أيضا في السنوات القادمة والذي شرعت في تنفيذه تدريجيا وسيشمل أغلب الشريط الساحلي التونسي.

تغيير في السياسات..!

فالرهان اليوم يتمثل في التوجّه  نحو اعتماد سياسات مائية جديدة من أجل ضمان الأمن الغذائي و«المائي» لكافة الشعب التونسي الذي يعيش تحت وطأة الجفاف منذ سنوات، وهو ما يفسر حالة الندرة سواء في الحبوب وفي مقدمتها القمح الصلب أو في مختلف المنتوجات الفلاحية والزراعية الأخرى جراء حالة الجفاف، و نقص المياه مع تراجع كميات الأمطار المسجلة سنويا وضعف نسبة المياه بالسدود.

ونرى أن الذهاب نحو اعتماد سياسات مائية جديدة وتشجيع الاستثمار في قطاع تحلية مياه البحر وغيرها من الحلول الأخرى من شأنها أن تمكّن في المستقبل من الحدّ من آثار التغيّرات المناخية وتساهم في توفير الأمن المائي  من أجل تفادي سيناريوهات مجهولة.

فلا يمكن وفق تقديرنا مثلا المراهنة فقط وبصفة كلّية على سياسة أو آلية قطع الماء على المواطنين كآلية للاقتصاد في الموارد المائية أو التخفيض من مساحات بعض المزروعات السقوية  لكنها تبقى ضمن الحلول الظرفية والمحدودة في الزمن ومن شأن هذه السياسة أن تؤثر على الأمن الغذائي بشكل مباشر وتتسبب في توترات اجتماعية وتذمر المواطنين.

وللحد من وطأة نتائج آلية قطع الماء في الفترة القادمة التي تتزامن مع ازدياد الطلب على الماء باعتباره حلا اضطراريا وليس اختياريا لتأمين الماء لجميع المواطنين في كامل تراب الجمهورية يجب في هذا الإطار على كافة الهياكل المعنية والمتداخلة وفي مقدمتها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الإسراع بإعداد حملة اتصالية وتحسيسية واسعة النطاق  تفسر توجّهات الوزارة في المدة القادمة في علاقة بالإجراءات المتخذة لضمان توفير مياه الشرب ومجابهة الزيادة في الطلب وطمأنة المواطنين وتحسيسهم بأهمية ترشيد الماء والحرص على حسن استغلاله.

فعديدة هي التساؤلات التي تطرح نفسها في علاقة بأزمة المياه بسبب تتالي سنوات الجفاف نتيجة قلة تساقط الأمطار في السنوات الأخيرة الراجعة أساسا إلى الآثار السلبية للتغيّرات المناخية والارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة على اثر تزايد ارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري في العالم والمتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، من قبيل ، هل تتمكن الدولة أوّلا من ضمان مياه الشرب وبتوزيع عادل لها على كافة متساكني مناطق البلاد في المدة القادمة ؟ وهل ستتمّكن من خلال الإجراءات الجديدة التي ستتبعها بعد تنقيح مجلة المياه من الذهاب بعيدا في سياسة الردع «الوقائية» و«تقنين» استعمال الموارد المائية والمحافظة على مياه السدود والتصدي للاستعمالات غير القانونية للمياه وفي مقدمتها الآبار العشوائية التي تكاثرت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة ؟ وهل ستذهب وزارة الفلاحة بعيدا في علاقة بالحلول بعيدة المدى في اعتماد تحلية مياه البحر كحلول لأزمة المياه؟ وهل ستتمكن السياسة الاتصالية لوزارة الفلاحة من تغيير العقليات وتكريس ثقافة الاقتصاد في الماء لدى «التوانسة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن خلق الثروة و المنوال التنموي..!

 تستدعي المرحلة الراهنة بما تحمله من تحديات اقتصادية واجتماعية الإسراع بإعداد منوال تنموي …