2024-04-09

رغم ترسانة التشريعات جرائم العنف وقتل النساء في تصاعد: أين الخلل ومن أين يبدأ الإصلاح ..؟

اهتزت منطقة جبل الأحمر بتونس العاصمة نهاية الأسبوع الماضي على وقع جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها شابة وأمها وخالها قام بها طليق الفتاة الشابة ووفق المعاينات الأوّلية، فإنّ الجثث الثلاث تحمل آثار اعتداء يشتبه أنّه بواسطة آلة صلبة يرجح أنها مطرقة، جريمة أخرى تنضاف إلى سلسلة الجرائم التي اكتسحت مجتمعاتنا، حيث تواترت مرارا وتكرارا أخبار عن جرائم قتل بطرق بشعة داخل الأسرة الواحدة.

وقد تكون الجريمة بصفة عامة و الجريمة داخل العائلة بوجه أخص موجودة في كل المجتمعات في العالم باختلاف انتماءاتها أو عقائدها أو تربيتها ولكن تواترها في بعض المجتمعات قد يطرح إشكالا و يدعو للقلق في كثير من الأحيان حيث أنه خلال السنوات الأخيرة تواترت حوادث العنف والجرائم البشعة في تونس بشكل لافت للانتباه، وبين ممارسة العنف الشديد بين الأزواج أو بين الوالدين والأبناء أو بين الإخوة وبين التحرش وزنا المحارم وبين جرائم القتل التي قد تبلغ حدا من البشاعة لا يتقبلها الإنسان العادي ، ما يجعل المجتمع التونسي يعيش حالة من الصدمة.

يحدث كل هذا بالرغم من ترسانة التشريعات التي يمكن الاعتماد عليها لمحاسبة الجناة وحماية النساء ضحايا العنف، وخاصّة القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة. ويأتي البيان الصادر عن جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف في صلب هذا الموضوع حيث رصدت الجمعيات النسوية السالف ذكرها ست جرائم قتل نساء منذ بداية سنة 2024 إلى غاية تاريخ أفريل الجاري، لتطلق صيحة فزع وتستنكر في ما اعتبرته «تخاذل الدولة» وصمتها الذي يزيد من حدّة ظاهرة تنامي جرائم قتل نساء، وعدم اتخاذها إجراءات صارمة ضد الجناة وعدم التطبيق الفعلي للقانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، الذي ينص على تسليط عقوبة السجن مدى الحياة على القاتل إذا كان من الأقارب.

وأرجع حقوقيون ومختصون في علم الاجتماع أسباب جرائم القتل ضد النساء  إلى خلافات عائلية، تتعلق أساسا بشكوك تحوم حول الخيانة أو رفض الطلاق أو من أجل «الشعوذة» و«الرقية الشرعية»، وذلك ما يدل على انتشار السلوكيات التقليدية البالية في تونس وهيمنة العقلية الذكورية والعقليات المتحجرة التي لم تتغير على مر السنوات.

كما اعتبر عدد من المتابعين لشؤون المرأة في تونس أن القوانين المناهضة للعنف وجلّ البرامج الموجّهة لدعم المرأة لم تنجح إلى حدّ الآن في حمايتها بالشكل الكافي ضد جميع أشكال العنف المسلطة عليها مشددين على ضرورة تغيير العقليات وتربية الناشئة على حقوق الإنسان والمساواة ونبذ العنف والسلوكيات التقليدية البالية باعتباره منفذا أساسيا للقضاء على هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة. حيث يُجمع مختصّون وحقوقيون على أنّ جرائم قتل النساء لم تعد حالات معزولة، بل باتت ظاهرة لها أسباب وعوامل متعدّدة ومتنوّعة.

رغم ذلك، يرى مختصون أنه لا يوجد في القانون التونسي تعريف أو حديث عن هذه الجرائم، إذ يكتفي القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة بتعريف العنف على أنّه “كلّ اعتداء مادّي، أو معنوي، أو جنسي، أو اقتصادي ضدّ المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبّب في إيذاء، أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحرّيات سواء في الحياة العامّة أو الخاصّة.

وتؤكد المنظمات النسوية في تونس في أكثر من مناسبة على أن مواصلة الإفلات من العقاب في قضايا العنف المسلّط على النساء هو ما يشجّع مرتكبي هذه الجرائم على قتل النساء مطالبين بضرورة الردع للحد من تنامي هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع.

والملاحظ أن ممارسة العنف داخل الأسرة تجمع كلا الجنسين وكذلك جل الأعمار أي أن مرتكبيها ليسوا فقط من الشباب والمراهقين، بل إنها طالت الكهول والنساء والأطفال أيضا. وتظل أبشع الجرائم تلك التي يرتكبها الأبناء في حق الآباء أو العكس فهي تشد انتباه الرأي العام لأنها تمس أقدس أنواع العلاقات الإنسانية والأسرية، الأمر الذي يصفه المختصون في علم النفس والاجتماع بأنه انهيار قيمي وأخلاقي أصاب المجتمع التونسي وتسرب إلى الأواصر الأسرية.

وأغلب الدراسات التي تناولت موضوع العنف الأسري في تونس هي دراسات ذات طابع نوعي قاربت مسألة العنف سواء في الأسرة أو في المجتمع من منظور المواقف والسلوكيات والتمثلات حولها.

نادرة جدا هي الدراسات الكمية التي اهتمت بالعنف الموجه ضد المرأة. وتلك التي أنجزت حول الموضوع لم تكن على نطاق واسع، بل تناولت حالات محدودة عدديا وهو ما يقلل من تمثيليتها.    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عطلة الأمومة في تونس بين الموجود والمأمول : تشريعات لا تكرّس المساواة بين الأمهات العاملات.. ودعوة إلى تعديلها

لطالما مثل «قصر» مدة عطلة الأمومة التي تمنح للأمهات العاملات عند الولادة محل نقاش وجدل واس…