2024-04-09

اليوم تونس تحتفل بعيد الشهداء (9 أفريل 1938):  ..وللذكرى معانٍ ورمزيات..!

يقول درويش: ورأيت الشهداء واقفين..

كل على نجمته بما قدموا للموتى الأحياء من أمل..»

ذكرى عيد الشهداء هي الذكرى الأعزّ لدى التونسيين لما لها من رمزيات متعددة تصل الماضي بالحاضر بالمستقبل…

تاريخيا شكلّت ذكرى 9 أفريل 1938 منعرجا حاسما في حرب التحرير الوطني ضدّ المستعمر الفرنسي وكانت المقدمة التي مهدّت لكل المنعرجات السياسية اللاحقة والتي حسمت المعركة وفتحت آمال التونسيين للتخلّص نهائيا من الاستعمار الفرنسي والذي يعتبر جيشه الأكثر جهالة ـ كا يصفه المؤرخون ـ لما اتسم به من عنجهية ومن ممارسات «بربرية» تجاه «أهل تونس» وكان شهر أفريل من سنة 1938 شهرا دمويا بدأه الجيش الفرنسي بحملة نفي واعتقالات كبرى لعدد كبير من زعماء النضال الوطني وكان يوم  9 أفريل من نفس العام يوم الخروج العظيم الى شوارع الاحتجاج حيث خرج التونسيون من مختلف الفئات والاجيال منادين بالحرية والاستقلال خاصة بعد اعتقال علي البلهوان على اثر خطاب حماسي (يوم 8 أفريل) دعا فيه الشباب الى «اعلان القيامة» ضد المستعمر وقد صرخ وسط الحشد بساحة الإقامة العامة بالعاصمة بقوله المشهود :«جئنا في هذا اليوم لاظهار قوانا… قوة الشباب الجبارة التي ستهدم هياكل الاستعمار الغاشم وسننتصر عليه… واذا ما اعترضكم الجيش الفرنسي أو الجندرمة فشردوهم في الفيافي والصحارى وافعلوا بهم ما شئتم فأنتم الوطنيون في بلادكم وهم الدخلاء عليكم…»

وكان لهذه الكلمة المكثفّة تأثير عميق على شباب تونس فخرجوا في يوم مشهود (9 أفريل 1938) تم خلاله اعتقال علي البلهوان وعدد من زعماء الحركة الوطنية ووصل عدد المتعقلين قرابة الثلاثة آلاف معتقل وقد فتح المستعمر النار على المتظاهرين فسقط عدد كبير من الشهداء وتمّت محاصرة مداخل المدن التونسية ومخارجها مع قمع المناضلين والتنكيل بهم وبعائلاتهم…

كان يوما كبيرا ـ كما يصفه المؤرخون ـ أبان فيه التونسيون عن اصرارهم الذهاب عميقا في اتجاه انهاء الاحتلال وبالتالي وضع حدّ «لجهالة جيشه» الذي نكل بالبلاد والعباد ولم يسلم من عنجهيته غير «الصبايحية» ممّن سيمتدون بعد ذلك في تاريخ تونس حتى بعد خروج المستعمر وهم لا يخفون ـ الى الآن ـ ولاءهم لفرنسا تحت عناوين متعددة…

هي الذكرى الأعزّ كما أشرنا وهي التي كانت «الطريق السريعة» التي هيأت ـ تاريخيا وسياسيا ـ كل ما جاء من بعدها من محطات أدّت في الاخير الى طرد المستعمر وجيشه بتدرج تاريخي وتحت ضغط شعبي وسياسي أفضى في الأخير الى الاستقلال التام وقد تم بعد ذلك تشويه مساراته وتزييفها وأقصى «المؤرخون الرسميون» تفاصيل وأسماء لعدد من كبار المناضلين وووجه آخرون بالنكران وعدم الذكر أصلا على امتداد «دولة بورقيبة» وعلى امتداد «دولة بن علي» أيضا وما تزال ـ الى الآن ـ بعض الاسماء مغيّبة من تاريخ الحركة الوطنية بكل محطاتها ومساراتها وهو التاريخ الذي يستدعي «تصحيحات موضوعية» حتى تهنأ «ذاكرة البلد» والتي شهدت عديد التشوهات ـ أيضا ـ بعد اندلاع الثورة التونسية وبعد حلول ركب الاخوان ممّن استحوذوا على الثورة وعلى الحكم وعلى الدولة وسعوا للاستحواذ على الذاكرة ولاعادة كتابة التاريخ بما في ذلك تاريخ الحركة الوطنية كما يشتهون فعملوا بكل امكانياتهم على «فسخ» رموز النضال الوطني وعلى تزييف الحقائق من حولهم وعلى ترذيل ما قدموه قبل الاستقلال وما أنجزوه مع بداية تأسيس الدولة الوطنية وكادوا أن ينجحوا في ذلك لولا نساء ورجال تونس ممن تصدوا لهم في الشوارع وفي النصوص…

كما سعى الاخوان زمن حكمهم الى تحويل ذكرى 9 أفريل وغيرها الى محطات لتفرقة التونسيين بافتعال معارك الهوية والتاريخ ـ وهنا ـ لن ننسى ما حدث يوم 9 أفريل 2012 حيث خرج التونسيون للاحتفال بالذكرى في تحدٍّ «لدولة الاخوان» التي منعت التظاهر في ذاك اليوم بقرار من وزير داخليتها علي العريض وهنا ثمّة تكرار للمهزلة يشبه التطابق التام فكما منع المستعمر الفرنسي التونسيين من التظاهر في ساحة الاقامة العامة بالعاصمة يوم 9 أفريل 1938 وتحدوه رغم ذلك وخرجوا في مظاهرات حاشدة واجهها المستعمر بالنار وسقط من سقط بين شهيد وجريح فإنّ وزير الاخوان ـ ايضا ـ علي العريض قد أصدر قرارا بمنع الاحتفال بذكرى الشهداء (9 أفريل 2012) ورغم ذلك تحداه التونسيون وخرجوا في حشود كبرى واجهتها ميليشيات ملتحية بالعصيّ والهراوات المسمارية تحت رقابة وزارة الداخلية وبدعم واسناد من «بوليسها النظامي».

لقد كان يوما مشهودا لم يسبق له مثيل في حجم الاعتداء الذي تعرض له التونسيون «وهم ينادون باسم شهداء الثورة» حيث تمّ التنكيل بالمتظاهرين بتشفّ وبحقد وعنف غير مسبوق وقد سقط عدد كبيرمن الجرحى وسط المتظاهرين «وأكل الصحفيون» من الضرب ما لم يأكله طبل يوم عيد…

هكذا نكّل «الاستعمار الاخواني» بالتونسيين يوم 9 أفريل 2012 تماما كما نكّل «الاستعمار الفرنسي» بأهل تونس وهم يصرخون من أجل استقلالهم يوم 9 أفريل 1938..

رحل الاستعمار مطرودا من الأراضي التونسية ورحل الاخوان ـ بلا عودة ـ بعدما عاف التونسيون وجودهم.. وبين «الاستعمارين» ما تزال البلاد في حركة بحث من أجل «تأصيل كيانها» وهي تتثاءب الحكايا وقد ملّت من كذب الرواة…

رحم الله كل شهداء تونس… كل الشهداء ما قبل الاستقلال ومن بعده.. وصلا بشهداء الثورة ومن بعدها وما بينهما من شهداء الحق والحرية على امتداد «دولتي بورقيبة وبن علي» وقبلها وبعدها والآتون على درب الشهادة.. رحم الله شهداء «غزّة» فهم أيضا بلا مثيل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!

 من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…