في الشأن التربوي : أي معالجة، لطرد العنف خارج أسوار المدرسة ؟
يعود الحديث عن ظاهرة العنف في الفضاء المدرسي كلما حدثت حالات تثير انتباه المتابعين للشأن التربوي والرأي العام. ولعل ذلك مرجعه إلى ظاهرة العنف بأنواعها وخاصة مظاهرها في شبكات التواصل الاجتماعي وفي الملاعب الرياضية وضد المرأة وفي الشارع عموما …. وتبرز خطورة هذه الظاهرة كلما اقتربت من الأطفال والمراهقين والمدرسين والإداريين في المدرسة وكذلك أولياء التلاميذ. وتجد المدرسة نفسها مسؤولة عما يحدث داخلها أو في محيطها من حالات عنف من حيث المتابعة والمعالجة خاصة، لقطع دابر تلك الآفة من المدرسة لذلك نحتاج إلى معالجة تربوية للظاهرة تكون مصحوبة بآليات تنفيذ واقعية وعلمية تساعد على طرد هذه الظاهرة خارج أسوار المدرسة نهائيا .
يعتبر الباحثون في علم الاجتماع أن العنف عموما هو سلوك خارج عن قواعد العيش معا التي تنظم الحياة في كل المجتمعات مهما كان نوعها . وهو يتعارض مع القيم السائدة في المجتمع الذي يحدث فيه . وتتطور السلوكات العنيفة في المجتمع كلما كانت للشخص الذي يمارسها تفاعلات مع الآخرين لا تلبي رغباته وطموحاته أو لا تلتقي مع مفهومه للتفاعل بين البشر . وبما أن المدرسة خلية اجتماعية مجتمعية فإنه تحدث فيها مثل تلك التفاعلات العنيفة التي تكمن خطورتها في أنها تحدث في مكان خاص وبين فاعلين فيه من نوع خاص أيضا . لذلك فإن ما يحدث في المجتمع من سلوكات عنيفة لا يمنعها سور المدارس من التسلل إلى المدرسة مما يحدث توترا في الفضاء المدرسي التربوي تكون عواقبه وخيمة على الحياة داخل المدرسة وعلى العلاقات بين الفاعلين فيها وتزداد الأمور تعقدا عندما يصبح الولي طرفا في العنف الممارس في المدرسة .
العنف يتسلل إلى المدرسة
ويأخذ العنف في الوسط المدرسي أشكالا مختلفة كما في المجتمع فقد يكون لفظيا ( وهو النوع الطاغي في المؤسسات التربوية عموما ويحدث بين التلاميذ فيما بينهم وأحيانا يتطور ليطال الكهول) أو ماديا ( وهذا النوع تطور في المدرسة من عنف باستعمال الأيدي إلى عنف باستعمال الآلات الحادة ويشمل أيضا العنف ضد التجهيزات ) أو رمزيا ( وهو العنف الأخطر الذي يتعرض له الطفل أو المراهق في مرحلة عمرية حساسة لأنه يقصد به المس من شخصه والاستنقاص منه وإهانته وتحقيره وتعريضه للتقزيم والتهميش والاقصاء من المجموعة وعدم الاعتراف به كفرد في المجموعة أيضا ، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا جديدا له في السنوات الأخيرة . وضمن العنف الرمزي تبرز آفة التحرش).
ولا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا أن العنف عامل أساسي من عوامل الفشل الدراسي لدى ممارسيه أو من يسلط عليهم في المدرسة ومن هنا وجب التصدي لمظاهر العنف في الوسط المدرسي بالحزم المطلوب وتطبيق الحلول العلمية التي يدعو لها الباحثون في علم الاجتماع لطرد العنف خارج أسوار المؤسسات التربوية وبعيدا عن محيطها . وتعود المسؤولية في تحقيق ذلك إلى المدرسة أو المنظومة التربوية أساسا وإن كان للتربية الأسرية ولوسائل الإعلام المختلفة ولفضاءات التنشئة الاجتماعية مثل الرياضة ودور الثقافة والشباب دورها في هذا المجال .
العنف والمعالجة التربوية
ولأن العنف يمارسه الطفل أو المراهق عادة – وحسب الدراسات الاجتماعية التربوية – نتيجة الإحساس بعدم الاطمئنان والشعور بالخوف والعجز أو كرد فعل على انتهاك شخصه بسبب عنف مورس عليه سابقا من طرف فرد أو مجموعة . ويكون العنف عادة مرتبطا بشعور بالنشوة عند ممارسيه ومن يقوم به إن كان ذلك عن وعي أو بدونه . وهذا يعني أن معالجة ظاهرة العنف تربوية وبالتالي فإن مجالات التدخل فيها ووسائلها تكون تربوية بشرط ألا يقتصر النشاط في الفضاء المدرسي على التعلمات والمعارف والبيداغوجيا وإنما يكون فضاء يطيب فيه العيش وجاذبا للأطفال والمراهقين يمكنهم من التعايش مع أترابهم ومع الكهول في المدرسة في تفاهم وتفاعل.
وتفترض هذه المعالجة التربوية مجموعة من الآليات سنركّز هنا على ما له علاقة بالحياة المدرسية والجانب العلائقي والتربوي بالمؤسسة التربوية .
تتمثل الآلية الأولى في تشريك التلاميذ في اتخاذ القرارات التي تهم مدرستهم وتهم تواجدهم فيها وتهم النظام الداخلي والقواعد المنظمة له مما يدعم ثقة الناشئة في مدرستهم وفي العاملين فيها من الكهول .
وتتمثل الآلية الثانية في إرساء تنظيمات ونواد داخل المدرسة مهمتها غرس حب الانتماء إليها في الناشئة والمحافظة عليها وعلى توازنها وذلك من خلال أنشطة تعمل على الاستجابة لحاجياتهم وعلى صقل مواهبهم وتشجعهم على ممارسة هواياتهم والمشاركة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية بالمدرسة، ومن خلال أنشطة أخرى تكسبهم المهارات الاجتماعية والوجدانية والقيم والمثل العليا المشتركة في المجتمع مع التركيز على قيم الحوار والتواصل واحترام الآخر وقبول الرأي المخالف وتحمل المسؤولية …
وتتمثل الآلية الثالثة في تفعيل وسائل المرافقة والإصغاء والوساطة وفض النزاعات داخل المدرسة بهدف إيجاد حلول لمشاغل الناشئة والصعوبات التي يعيشونها ومساعدتهم على تقوية ثقتهم بأنفسهم وتثمين ذواتهم وتعديل تمثلاتهم السلبية لها، وعلى تجاوز المراحل الصعبة التي يمرون بها خلال مسيرتهم الدراسية .
وأخيرا، إن هذه المعالجة رغم أهميتها لا يمكن أن تستغني عن المعالجة المتعلقة بالتعلمات ومقاربات التدريس والبرامج وتكوين المدرسين التي من شأنها فتح باب الأمل في النجاح أمام الناشئة وغلق مسار الإحباط واليأس والفشل وهو المسار المؤدي للعنف في الوسط المدرسي .
(❊)باحث وخبير في الشأن التربوي
في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة
من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…