2024-03-24

إعادة‭ ‬إحداث‭ ‬ديوان‭ ‬جديد‭ ‬لتنمية‭ ‬الجنوب‭ ‬والصحراء: مهمّ‭..‬لكن‭ ‬بشروط‭ ‬الحاضر‭..!‬

مثّل‭ ‬موضوع‭ ‬إعادة‭ ‬إحداث‭ ‬ديوان‭ ‬جديد‭ ‬لتنمية‭ ‬الجنوب‭ ‬والصحراء‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تناوله‭ ‬اجتماع‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬مساء‭ ‬الجمعة‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬بقصر‭ ‬قرطاج‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬احمد‭ ‬الحشاني‭ ‬ووزيرة‭ ‬المالية‭ ‬سهام‭ ‬البوغديري‭ ‬نمصية‭. ‬

وحسب‭ ‬ما‭ ‬رشح‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬الاجتماع‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬وذكّر‭ ‬بأن‭ ‬ديوان‭ ‬تنمية‭ ‬الجنوب‭ ‬تجربة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬1984‭ ‬وهي‭ ‬تجربة‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬حتى‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬أهدافها،‭ ‬ورغم‭ ‬إعادة‭ ‬إحداث‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬أي‭ ‬سنة‭ ‬1994،‭ ‬فإن‭ ‬الأوضاع‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬ولم‭ ‬يقع‭ ‬سوى‭ ‬استبدال‭ ‬نص‭ ‬بآخر‭ ‬دون‭ ‬أثر‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭. ‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬نعود‭ ‬للخوض‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬ونؤكد‭ ‬اأن‭ ‬التجربة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتكرر‭ ‬والنصوص‭ ‬التي‭ ‬تُوضع‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬بسرعة‭ ‬الى‭ ‬التنفيذ‭ ‬فالنص‭ ‬القانوني‭ ‬ليس‭ ‬هدفا‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الأداة‭ ‬القانونية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬وُضع‭ ‬من‭ ‬اجلهاب‭ ‬والكلام‭ ‬للرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭. ‬

واللاّفت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التقييم‭ ‬والتشخيص‭ ‬للواقع‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬التونسي،‭ ‬سليم‭ ‬ومشترك‭ ‬بين‭ ‬أغلب‭ ‬التونسيين‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬جميعهم،‭ ‬بيْد‭ ‬أن‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬البدائل‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬قيل‭ ‬انها‭ ‬نصوص‭ ‬قانونية‭ ‬جديدة‭ ‬يُفترض‭ ‬تفعيلها،‭ ‬فنحن‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬معرفة‭ ‬مضامين‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬والحلول‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تقديمها‭ ‬لتغيير‭ ‬واقع‭ ‬العباد‭ ‬والبلاد‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭. ‬

ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب،‭ ‬عندما‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬اجتماعا‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬قرطاج‭ ‬يدعو‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬تذليل‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬بسرعة‭ ‬لاستكمال‭ ‬المشاريع‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬استكمال‭ ‬المجمع‭ ‬التنموي‭ ‬متعدّد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬بالنويل‭ ‬في‭ ‬دوز‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬قبلي،‭ ‬والذي‭ ‬توقفت‭ ‬أشغاله‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬إنجاز‭ ‬بعض‭ ‬مكوناته‭ ‬بلغت‭ ‬مراحلها‭ ‬الأخيرة‭. ‬

وهنا‭ ‬أيضا‭ ‬نطرح‭ ‬بحدّة‭ ‬وجدية‭ ‬مسألة‭ ‬المتابعة‭ ‬والإشراف‭ ‬ودور‭ ‬السلط‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬والوطنية‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬الوجاهة‭ ‬ومن‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بنفسه‭ ‬متابعة‭ ‬كل‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تزخر‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬تكتظ‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬بالمسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بكل‭ ‬الامتيازات‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬كونهم‭ ‬من‭ ‬ثقاة‭ ‬منظومة‭ ‬الحكم‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬نجاحهم‭ ‬نجاحها‭ ‬وفشلهم‭ ‬فشلها‭. ‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬يتنزل‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ ‬ديوان‭ ‬تنمية‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬متابعة‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬اغير‭ ‬المعلنةب‭ ‬الى‭ ‬ولاية‭ ‬قبلي‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬واطلاعه‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬بوضوح‭ ‬عمق‭ ‬التفاوت‭ ‬والحيف‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬وكرسته‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬المتعاقبة‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬رغم‭ ‬الوعود‭ ‬والنصوص‭ ‬وحتى‭ ‬الهياكل‭ ‬والمؤسسات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ديواني‭ ‬إحياء‭ ‬الجنوب‭ ‬والصحراء‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬كعادته‭ ‬ملمّا‭ ‬بواقع‭ ‬الحال‭ ‬وجريئا‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬وتحديد‭ ‬المسؤوليات،‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬ان‭ ‬يتحمل‭ ‬كل‭ ‬مسؤول‭ ‬واجباته‭ ‬تجاه‭ ‬المواطن‭ ‬وأن‭ ‬يقدم‭ ‬له‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬يطلبها‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الاحترام‭ ‬الكامل‭ ‬للقانون‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يّفسّر‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬إقرارا‭ ‬إما‭ ‬بغياب‭ ‬الخدمات،‭ ‬أو‭ ‬بتقديمها‭ ‬بصيغ‭ ‬مخالفة‭ ‬للقانون،‭ ‬وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬والعقاب‭. ‬

ولعل‭ ‬أهم‭ ‬رسالة‭ ‬سعى‭ ‬ساكن‭ ‬قرطاج‭ ‬إلى‭ ‬تبليغها‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرقعة‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬والتي‭ ‬أثارت‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬متناقضة‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬الجنوب‭ ‬التونسي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬وهو‭ ‬بمثابة‭ ‬خلع‭ ‬لباب‭ ‬مفتوح،‭ ‬والمقصود‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭ ‬الغائبة‭ ‬والمغيّبة‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الدولة‭ ‬والتي‭ ‬يُمارس‭ ‬ضدها‭ ‬التمييز،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬بقية‭ ‬الجهات‭. ‬

لقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬بلادنا‭ ‬قبل‭ ‬ملحمة‭ ‬14‭ ‬جانفي‭ ‬2021‭ ‬غير‭ ‬المكتملة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬بمخططات‭ ‬التنمية‭ ‬الخماسية‭ ‬والتي‭ ‬وإن‭ ‬تضمنت‭ ‬خططا‭ ‬متكاملة‭ ‬ومسترسلة‭ ‬وجداول‭ ‬زمنية‭ ‬معلومة‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬فانها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬بل‭ ‬كرسته‭ ‬وغذّته‭ ‬لدرجة‭ ‬جعلت‭ ‬التونسيين‭ ‬منقسمين‭ ‬وامتدافعينب‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬،‭ ‬بعضهم‭ ‬يريد‭ ‬الاستئثار‭ ‬بثروة‭ ‬الفسفاط‭ ‬والبعض‭ ‬بثروة‭ ‬الزيتون‭ ‬والبعض‭ ‬أيضا‭ ‬بالبترول‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تفشت‭ ‬حينها‭ ‬والتي‭ ‬وقع‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬حلها‭ ‬حلا‭ ‬قانونيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دسترة‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بالتمييز‭ ‬الايجابي‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭. ‬

والتمييز‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ايجابيا‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬توهّم‭ ‬البعض‭ ‬بانه‭ ‬يسمح‭ ‬بإنصاف‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬عرضة‭ ‬لسلبيات‭ ‬التمييز‭ ‬وبالتالي‭ ‬فان‭ ‬الأسلم‭ ‬ليس‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬تلعن‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬وتبشّر‭ ‬بمستقبل‭ ‬غامض‭ ‬غير‭ ‬معلوم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬حلول‭ ‬نوعية،‭ ‬واقعية‭ ‬ومتكاملة،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬بالفعل‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬لكنها‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ‭ ‬وهي‭ ‬تستند‭ ‬بالضرورة‭ ‬الى‭ ‬مراكمة‭ ‬الماضي‭ ‬وتستفيد‭ ‬منه‭ ‬سواء‭ ‬بتجاوز‭ ‬هناته‭ ‬وعيوبه‭ ‬أو‭ ‬تعزيز‭ ‬منجزاته‭ ‬ومكاسبه‭ ‬وارجالاتهب‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عرفناه‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬يجب‭ ‬فسخه‭ ‬وشطبه‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فعلناه‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬اليوم‭ ‬يصلح‭ ‬كله‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لتحقيق التنمية الاقتصادية، السلم الاجتماعي والإشعاع الدولي : التونسيون بالخارج طرف رئيسي في المعادلة

كشف مدير عام ديوان التونسيين بالخارج خلال شهر مارس الماضي أن عدد الجالية التونسية بالخارج …