وزراء ونواب ينسجون على منوال الرئيس ويشرعون في القيام بزيارات ميدانية: هل تلقّوا الرسالة لتفادي الإقصاء بالإقالة أو سحب الوكالة؟
كشفت الإقالات الأخيرة لوزراء وولاّة ومسؤولين في مستويات أخرى متقدمة أنه لا يوجد مسؤول محمي من الإقالة أو المحاسبة في حال تقصير او استهانة او فشل في تحمل المسؤولية او تغطيته على الفساد. وهو ما ينطبق أيضا على نواب البرلمان الذين لا تشفع لهم شرعيتهم الانتخابية من العقاب اذ بالإضافة الى عدم التمتع بالحصانة المطلقة فهم باتوا بحكم دستور جويلية 2022 عرضة الى سحب الوكالة من ناخبيهم.
وتقريبا لم تمر مناسبة دون ان يوجه رئيس الجمهورية قيس سعيد رسالة الى المسؤولين في الدولة في مختلف المناصب، يحثهم فيها على ضرورة تحمل مسؤولياتهم التي أوكلت اليهم وان لم يكن الامر كذلك فان التخلي عن خدماتهم هو المصير المحتوم. وقد تمت ترجمة هذه الرسالة واقعيا في مناسبات عدة آخرها هي إقالة كلّ من وزيري النقل والثقافة. وكانت بعض الزيارات الميدانية التي أجراها الرئيس الى عدد من المؤسسات والمنشآت الراجعة اليهما بالنظر كافية للتعجيل بقرار الإقالة، وذلك لما كشفته من تقصير في الأداء ونقص واضح للعمل الميداني الذي يعتبر أحدى آليات العمل الوزاري وحتى الإداري الناجعة إذا ما توفرت الإرادة للإصلاح وتقديم خدمات عامة أفضل.
وقد اتضحت جليا أهمية تلك الزيارات الميدانية التي كشفت كمّا هائلا من الفوضى العارمة في التسيير والتهاون بمقدرات الدولة واتلافها واستهانة بالمال العام وبمصلحة المواطنين. كما اتضح ان الاعتماد على التقارير لوحدها غير كاف للوقوف على كل التفاصيل، بل يمكن ان تكون أداة تضليل. ويبدو ان الرئيس قد استبطن مدى ما قد تكون عليه التقارير الجاهزة من نقائص سواء عن قصد او عن غير قصد. وهو ما دفعه الى تكثيف تحركه الميداني سواء بالتنقل نحو الجهات او بزيارة المنشآت والمؤسسات في مختلف القطاعات ليلامس واقعها عن كثب.
فمن أقيل من وزراء قد لا يكونون هم المسؤولين المباشرين عن سبب الإقالة، لكنهم في النهاية هم المسؤولون عن مختلف تفاصيل مهامهم ومنظوريهم ويجب ألا يكتفوا بما يصلهم من تقارير قد تكون مغلوطة وتخفي وراءها ما تخفي من «كوارث».
وبغض النظر عن موقع المسؤولية المتقدمة في أي مجال من المجالات، يبدو أن المسؤولين مطالبون بمغادرة مكاتبهم الفخمة والوقوف بأنفسهم على القطاعات التي يشرفون عليها لتحسين وضعها وأدائها وكذلك حتى يشعر المحيطون به بأنه ثمة عين تراقب وتفاجئ وتحاسب على الخدمات التي تقدم للمواطنين.
وهذه ربما هي حوصلة الرسالة التي يوجّهها رئيس الجمهورية الى وزرائه والى كل من يتبوّأ مسؤولية عليا في الدولة. وهي رسالة قلة قليلة من المسؤولين في مناصب عليا أو متقدمة استوعبوها فكانت لهم سبيلا للحفاظ على الثقة التي حظوا بها وبالتالي الحفاظ على مناصبهم في حين اغفلها آخرون فأدت الى اقالتهم والاستغناء عن خدماتهم. وبين هذا وذاك هناك من تلقى متأخرا هذه الرسالة ويعمل على التدارك «لتفادي السقوط».
وبالعودة الى الوزراء تحديدا نجد ان الغالبية القصوى منهم لايغادرون مكاتبهم، ولا يبدو ان لهم نية مغادرتها ربما لاعتقادهم ان الوزارة التي يتولونها لا تتطلب العمل الميداني، وان الأساس في تسييرها هي التقارير الإدارية، اما من يرون ان هذا العمل من صميم اختصاصهم فبادروا مؤخرا بالتحرك. وقد لاحظنا خلال الأيام الأخيرة نشاطا خارج الوزارات لعدد من الوزراء، على غرار وزير الداخلية الذي ادى زيارة تفقد للوحدات الأمنية العاملة بولاية سليانة، ووزيرة التجهيز والإسكان والمكلفة بتسيير وزارة النقل التي في اقل من أسبوع كانت لها زيارة ميدانية الى المنطقة البترولية برادس إثر حادث الانفجار الذي شهدته الخميس الفارط والى المحطة الجوية 1 و2 بمطار تونس قرطاج الدولي للاطلاع على الاستعداد للموسم الصيفي والسياحي وعودة التونسيين بالخارج إلى أرض الوطن وموسم العمرة.
واللافت أيضا انه مع بداية الحديث عن الانطلاق في تفعيل اجراء سحب الوكالة من أعضاء مجلس نواب الشعب، قام عدد من النواب عن الدوائر الانتخابية بولاية بن عروس يوم الاحد الفارط بزيارة ميدانية إلى سوق الجملة ببن عروس. وحسب بلاغ يهمها فان هذه الزيارة تأتي في إطار جهود البرلمان الهادفة إلى فهم احتياجات السوق ومواجهة التحديات التي قد تواجه المواطنين والتجار، وهي تترجم التزام النواب بالاستماع إلى مطالب المواطنين ومعرفة احتياجاتهم، وتعزز الحوار المجتمعي بين الوظيفة التشريعية والقطاع التجاري في تونس، على أن تسهم النتائج والتوصيات المنبثقة عن هذه الزيارة في وضع سياسات وبرامج تنموية تهدف الى دعم الاقتصاد المحلي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في البلاد. وتقريبا نفس الوفد كان له الخميس الفارط زيارة الى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس للاطمئنان على الوضعية الصحية للمصابين في حادثة الانفجار التي جدّت في نفس اليوم بالمنطقة البترولية برادس والاطلاع على ظروف إيوائهم وتمنّي الشفاء العاجل لهم.
ومن خلال هذه الزيارات الميدانية التي أدتها هذه المجموعة من النواب يبدو ان هؤلاء قد التقطوا بدورهم الرسالة بأن الشرعية الانتخابية التي حصلوا عليها حتى لو كانت عالية، هي في حاجة إلى اختبارها على أرض الواقع إما بالقدرة على توفير حاجيات ناخبيهم، او بالقدرة على تحسين إدارة القطاعات الحيوية ذات العلاقة بمعيشهم اليومي. ومن المتوقع ان ينسج بقية النواب على منوال هذه المجموعة باعتبار ان بقاءهم في البرلمان هو رهين ما ستقدمه أيديهم لناخبيهم ولمناطقهم وان لم يكن الامر كذلك فمصيرهم سيكون سحب الوكالة منهم.
ضعف مشاركة الشباب في الانتخابات الرئاسية 2024: نسبة تستحق القراءة والتمحيص من أجل تفادي العزوف عن التصويت
تمثل الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 مثالا واضحا لغياب الشباب كناخبين وناخبات. وقد بينت الإح…