2024-03-14

بعد الاعلان عن تركيبتها الجديدة : لجنة الصلح الجزائي أمام مسؤولية جسيمة.. !

تعوّل السلطة اليوم على مسار الصلح الجزائي كركيزة هامة في السياق الاقتصادي المتعثر وانطلاقا من مبدإ العدالة والإنصاف بهدف استرجاع أموال الشعب المنهوبة داخليا وخارجيا وهي الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا الملف بطرق قانونية سليمة وفق مبدإ المصالحة.

ولعلّ الإعلان عن التركيبة الجديدة للجنة الوطنية للصلح الجزائي وأداء أعضائها اليمين أمام رئيس الجمهورية أول أمس الثلاثاء يؤكد من جديد أن هذا الملف يعد من ضمن أولويات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فرغم فشل اللجنة الأولى في تحقيق أهدافها لعدة أسباب مختلفة  منها ما هو مرتبط بالسياق العام وأخرى في علاقة بإشكالات قانونية وإجرائية واصل الرئيس في نفس المسار ودفع إلى تنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، الذي اتخذ بداية من 17 جانفي 2024 شكل قانون بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان وسمح بتكوين لجنة جديدة للصلح الجزائي وبصلاحيات أوسع.

فاللجنة الجديدة للصلح الجزائي اليوم أمام مسؤولية جسيمة ورهانات كبرى وهي في مرمى كل المتابعين لعملها ولنتائجها المنتظرة خاصة بعد القانون الجديد المنظم لأعمالها و تدعيم صلاحياتها من خلال التنصيص على إمكانية إجرائها لأعمال استقصائية بالتعاون مع الجهات المعنية سواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية كإمكانية طلب معلومات وتحاليل مالية من اللجنة التونسية للتحاليل المالية ومن وحدات التحريات المالية النظيرة بالخارج وهو ما سيسهّل عمل اللجنة وحصولها على المعلومات التي تحتاجها في علاقة بالملفات المعروضة عليها ويوفر كثيرا من الوقت لاستكمال كافة أعمالها والبت في مطالب الصلح في آجال معقولة وبطريقة منصفة للدولة وللطرف المعني بعملية الصلح الجزائي.

ونعتقد أن لأعضاء هذه اللجنة الوطنية للصلح الجزائي فرصة تاريخية لإنجاح مسار الصلح بين الدولة وبين من تتعلق بهم ملفات نهب أموال الشعب في الداخل أو الخارج عملا  بمبدإ المصالحة، وهو ما ذهب إليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال إشرافه على موكب أداء اليمين  من قبل الأعضاء الجدد للجنة الوطنية للصلح الجزائي أول أمس الثلاثاء، على أنّ مسؤوليتهم جسيمة وتاريخيّة ، بقوله «أعيدوا أموال الشعب، ولا تتسامحوا مع أيّ كان».

ويمكن لأعضاء اللجنة الجدد ممارسة مهامهم وفق تمشّي المصالحة الذي أكد عليه رئيس الدولة في أكثر من مناسبة بعيدا عن التشفي وعن الممارسات السابقة خلال توجهه إلى رجال الأعمال بخطابه وبكل وضوح على أن  «من يريد أن ينخرط في هذا المسار التصالحي وأن يعيد إلى الدولة الأموال التي نهبها بشكل قانوني وفق ما تحدده التشريعات فأبواب الصلح مشرعة أمامه وقطعا لا مصلحة لأحد في سجنه أو حرمانه من العمل بحرية ومن تنمية ثروته».

وهو ما يتضح مجددا من خلال  تأكيد رئيس الدولة خلال إشرافه على أداء اليمين للأعضاء الجدد للجنة الوطنية للصلح الجزائي بقوله «الممارسات السابقة كفانا منها! أبلغوهم أنّها فرصتهم الأخيرة، نحن نريد العدل، لا التشفّي في أيّ كان، ولكن لا نريد أن تبقى أموال الشعب في أيدي الذين اختلسوها سواءً في الداخل أو في الخارج». وتشديده على ضرورة «المحاسبة العادلة»، قائلا إنّ «من أراد بالفعل إعادة أموال الشعب مرحّب به، ومن أراد غير ذلك فليتحمّل المسؤوليّة».

ونعتقد أن لجنة الصلح الجزائي هذه المرة أمام فرصة حقيقية وغير مسبوقة لتحقيق أهدافها والنتائج المرجوة من تكوينها – رغم وعينا ودرايتنا بصعوبة المهمة التي تنتظرهم-  ،خاصة بعد توسيع صلاحياتها وفق القانون الجديد المنظم لعملها والذي يتيح لها التعمق في دراسة مشروع الصلح لاتخاذ موقف نهائي محدد يقترب أكثر ما يمكن من حقيقة الأضرار اللاحقة بالدولة والمترتبة عن الجرائم المرتكبة وتقرير تعويض عادل سواء في شكل أداء مبالغ مالية محددة أو مشاريع تنموية أو مشاريع ذات أهمية وطنية وتوضيح آثار الصلح سواء كان وقتيا أو نهائيا والإجراءات القضائية المتعددة كإدراج المشاريع ذات الأهمية والمصلحة الوطنية ضمن المشاريع التي يمكن أن تنتفع بالعائدات المالية للصلح الجزائي.

وسيتولى أعضاء اللجنة الوطنية الجدد وفق ما جاء به نص القانون المنظم لهذه العملية والذي جاء على إثر تنقيح المرسوم الذي تم بمقتضاه إنشاء لجنة الصلح الجزائي، النظر في ملفات الصلح الجزائي  والتدقيق في تفاصيلها متحمّلين مسؤولياتهم كاملة في الأمر و سيتم لاحقا عرض الملفات على مجلس الأمن القومي  الذي سيتولى إقرار مبلغ الصلح المقترح أو يتولى الترفيع فيه إذا رأى ذلك أو أن يرفضه إذا اقتضى الأمر ذلك.

ونأمل أن يلتقط رجال الأعمال التونسيين الوطنيين في الداخل أو في الخارج وكل من تعلّقت بهم ملفات نهب أموال الشعب التونسي وفتحت بشأنهم تحقيقات في الغرض هذه الرسائل المتعددة والمتكررة وأن يجنحوا إلى الصلح مع الدولة واغتنام هذه «الفرصة الأخيرة»  تكريسا لمبدإ المصالحة والعدالة والإنصاف والمساهمة في دفع التنمية والاقتصاد وتحمل مسؤوليتهم التاريخية في ذلك بما من شأنه أن يعزز الثقة مجددا بين الدولة وأبنائها ويساهم في  توفير مناخ عام ملائم للبناء والعطاء في إطار المصالحة الشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…