أخذ العدوان الصهيوني على قطاع غزّة شكل الابادة النهائية للسكان الاصليين وقد جرّب العدو وما يزال كل الأساليب والاشكال «لتحقيق» هذا المقصد الاجرامي بداية من القصف العشوائي وصولا الى سلاح التجويع حيث الموت مضاعفا… فمن لم تقتله النار قتله الجوع…
يُقتل الناس في غزّة وهم جوعى وهذا يعتبر تنكيلا بالبشر وجريمة قصوى فوق طاقة الاحتمال الانساني وهو ما حدث وما يحدث يوميا فوق أرض القطاع وتحت سمائها حيث الجريمة كالعار على واجهة المؤسسة العسكرية الصهيونية وما حدث أول أمس غرب غزّة لم يسبق له مثيل في تاريخ «جرائم الحرب» حيث تم تجميع الاطفال والنساء لالتقاط مواد غذائية عبر «إنزال جوّي».. وبالفعل حدث الإنزال مرفوقا بقصف جوّي مكثف فكانت الصورة جحيمية ومدمية للقلوب والضمائر وقد اختلط الغذاء بالدم وبأكداس المقتولين وكانوا قبل «موتهم العشوائي» جياعا…

نحن ـ هنا ـ أمام عملية ابتذال للبشر وتتفيه للذات الانسانية ـ بعد فرزها ـ على أساس هووي وعنصري كولونيالي يعتقد بأنه لا جدوى من وجود «الاخرين» على نفس الارض حتى وإن كانت أرضهم تاريخيا.. والآخرون ـ هنا ـ هم سكان غزّة الاصليون وقد أصبحوا «ثقلا» على الوافدين…
نعتبر «طوفان الاقصى» بتاريخ 7 أكتوبر 2023 مفصليا في مسار المقاومة الفلسطينية بقطع النظر عن «الهوية الفكرية» لهذه المقاومة لكن علينا ايضا ان ننتبه الى الابواب المواربة التي غفلت عنها «المقاومة» وتحديدا حركة حماس ومنها تسّرب العدو بكل هذه الشراسة وقد اشرنا الى ذلك خلال الأيام الأولى من الحرب وأكدنا على ان جيش الاحتلال لن يكون وحيدا في هذه الحرب وبأنه سيجد كل الدعم وكل الذرائع لتبريرها وبأنه سيأكل «الشعب والعشب» من باب «الدفاع عن النفس» وبأن امريكا بكل امتدادها الاوروبي الصهيوني ستصطف وراء هذا الباب وستحوّله الى عنوان رئيس في كل المنظمات والمحاكم الدولية وسيكون ـ تماماـ كحائط المبكى الذي سيضفي على جرائم الجيش الصهيوني في غزة ذرائع تبرر الجريمة وتقدمها على أنها من «باب الدفاع عن النفس» وهي الجملة التي لم يتعب الرئيس الامريكي من ترديدها ولم يخجل الرئيس الفرنسي «ماكرون» من «اعادة انتاجها» اوروبيا فتبنتها بريطانيا وألمانيا ومقابل كل هذا الاسناد للكيان الصهيوني وما شهده من اصطفاف وتواطؤ امريكي ـ اوروبي مع جرائم الابادة النهائية تقف «غزة» وحيدة وصدور ابنائها عارية في مواجهة آلة عسكرية لا تضاهى في المنطقة دمرت القطاع وأهلكت سكانه الاصليين وقد تنهي وجودهم تماما بما ان عملية الابادة على أشدها ـ الآن ـ وهي بين تقتيل وتجويع وتشريد وتهجير ولئن سارع الغرب الاوروبي والامريكي الى الاصطفاف وراء «الكيان الصهوني» ودعمه عسكريا واستخباراتيا فإنه وفي المقابل لا أحد أغاث غزة ولا أحد اعلن اصطفافه الواضح والمعلن مع أهلها ولا أتحدث ـ هنا ـ عن الشعوب العربية والاسلامية فهي شعوب لا حول لها ولا قوة امام استبداد حكامها وإنّما أتحدّث عن اصحاب السعادة والسمو والجلالة.. وأغلبهم سارعوا الى غرس رؤوسهم في تراب المذلة والعار وخاصة حكام مدن «الملح والتطبيع»

واسقطوا كل المقترحات التي طالبت برفع ورقة النفط في وجه الكيان الصهيوني وكل من اصطف وراء جرائمه كما اسقطوا كل الدعوات التي طالبت بتجميد او تعليق التطبيع وكل مساراته الى حين ايقاف الحرب.. وبطبيعة الحال لم تنصت «دول التطبيع» الى هذه المقترحات بل تصدّت لها في القمة المزدوجة العربية والاسلامية التي انعقدت منذ اسابيع بالمملكة العربية السعودية والتي اسميناها في ورقات سابقة بقمة العار وقمة الخذلان التي فشلت ـ حتى ـ في اصدار بيان موحد بمواقف واضحة وجريئة بل كان بيانا يتوسل او هو يتسوّل «الرفق» بأهالي غزة قبل قتلهم…!؟

هنا أخطأت حماس حين عولت على الدول العربية والاسلامية ومنظماتها المتخاذلة لانهاء الحرب سريعا قبل أن تمتدّ… وحماس لم تتوقع هذا الامتداد وهذه الشراسة في ردّة الفعل الاسرائيلية بعد «طوفان الأقصى» بل هي لم تتوقع أن يقف كل العالم الامريكي والأوروبي مع الكيان الصهيوني في «محنته».. لقد كانت تقديرات «حماس» خاطئة برمّتها فلا «حزب الله» تحرك بحجم الجريمة ولا ايران ـ أيضا ـ وقد نأت بنفسها بعد تهديدات أمريكية جديّة ولاذت بكتاب «المرشد الأعلى» وفيه ما فيه من تعاليم على رأسها «أمن ايران أوّلا» وهي التي أنكرت «طوفان الأقصى» منذ لحظته الأولى ودخلت في مفاوضات غير معلنة مع أمريكا حول الأرصدة المجمّدة وامكانية رفع التجميد عنها ونجحت في ذلك كما أعلن وزير خارجيتها بوضوح بأنّ ايران لن تحارب بالوكالة عن حركة حماس…

أمّا عن مصر فقد اكتفت بالمساعدات الغذائية الانسانية وتلك حدود الله «وفيها ما يكفيها» ـ كما يقولون ـ من قضايا الداخل الاجتماعي والسياسي… ورغم محاولات جرّها الى «مرّبع الحرب» فإنّها لم تتحرك بما يسيء لأمنها القومي أمّا عن باقي دول منطقة الخليج فلم يعد فيها حكّام بحجم الملك الراحل فيصل ابن عبد العزيز حيث المصالح الوطنية أكبر من المصالح القومية اضافة الى أنّ المنطقة وقبل «طوفان غزّة» بساعات قليلة كانت مقدمة على تغييرات جيوسياسية كبرى على رأسها إدماج الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط وهو المشروع الذي انطلق بالفعل وكان من المتوقع اكتماله بعد اكتمال مسار التطبيع الذي شرعت فيه السعودية و«أفسدته غزة».
قلنا ـ منذ البدء ـ بأنّ «غزّة» ستبقى وحيدة في مواجهة موتها… بعدما نجحت «دولة الاحتلال» ومن ورائها «الفيتو» الامريكي في تعطيل القوانين الدولية ومؤسساتها وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة والتي تعتبر الآن في حالة من العطالة التامة بسبب هيمنة القوى العظمى على قراراتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ذكرى الجمهورية بين «واقعتين»..!

يحتفل التونسيون اليوم بالذكرى 67 لعيد الجمهورية الموافق لـ25 جويلية 1957وهي ذكرى عزيزة على…