2024-02-24

الأكاديمي عبد القادر الحمدوني يعلّق على ظاهرة «هجرة الأدمغة» : لابدّ من ضمان حق الدولة المكوّنة.. وحق الكفاءة المهاجرة بقوانين جديدة

تحوّل مشكل هجرة الأدمغة إلى نزيف يكبد الدولة خسائر في كفاءاتها وفي قدرة اقتصادها الوطني على سرعة التعافي والنهوض من جديد بالاعتماد على أفكار ومهارات خريجيها من الجامعات خاصة من النخبة في اختصاصات الهندسة والطب.

وقد أُطلقت تحذيرات من تزايد هجرة الأدمغة في تونس وتخوفات من إفراغ البلاد من كفاءاتها، لا سيّما الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين. وقد خسرت تونس ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف طبيب هجروا البلاد بين عامَي 2015 و2019، بالإضافة إلى نحو 6500 مهندس.

كما تشير إحصائيات عمادة المهندسين إلى أن قرابة 2500 مهندس يتوجهون سنويا نحو بلدان أوروبا والخليج العربي.

ويجمع الباحثون والمتخصصون في تونس على تزايد هجرة الأدمغة وما يمثله ذلك من هدر للثروة البشرية في بعض التخصصات المطلوبة مشيرين إلى أن هذه الظاهرة بحاجة إلى معالجة جذرية تلمس مختلف الجوانب بما في ذلك التكوين وتحسين مناخات الاستثمار وتحرير المبادرة لبعث المشاريع.

كما يعتبرون أن تونس تعاني في السنوات الأخيرة من استفحال الظاهرة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد بعد 2011، وما شهدته من تداعيات بسبب جائحة كورونا العالمية ما استوجب استحثاث بعث المشاريع ودفع الاستثمار في ظل عجز الدولة والوظيفة العمومية على استيعاب الخريجين الجدد علما وأن تونس جمدت الانتدابات في الوظيفة العمومية منذ حوالي ثلاث سنوات نتيجة تعمّق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها.

وفي تصريح لـ«الصحافة اليوم» أكد الأكاديمي عبد القادر الحمدوني أن ما فاقم ظاهرة هجرة الأدمغة هو تزايد عدد حاملي شهادة الدكتوراه وعدد خريجي كليات الطب والهندسة مقابل عدم قدرة المؤسسات الوطنية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص على استيعاب هذه الأعداد من الخريجين الجدد الذين هم مطلوبون من الدول الأجنبية للسمعة التي تكتسيها الجامعة التونسية وهي مسألة تحسب للدولة التونسية.

ولتنظيم هذه المعادلة لا بد للدولة من التفكير في كيفية ضمان مستقبل الطلاب والخريجين الجدد إذا لم تتوفق في توفير فرص تشغيل لهم في تونس وتنظيم عمليات الهجرة لا فقط عن طريق وكالة التعاون الفني وإنما خلق خطوط تشغيل أخرى في الخارج مع ضمان حق الدولة التي ساهمت في التكوين بمعلّميها وأساتذتها ومخابرها وبالتالي لابد من دراسة المسألة من جوانب عديدة كما لا يجب التعاطي مع الهجرة على أنها أمر سلبي فهذه الكفاءات هي سفراء لتونس في الخارج كما أنها مصدر مهم للعملة الصعبة التي تحتاجها البلاد.

وللتفكير في حلول لهذه الظاهرة ومعالجتها بما يخدم المصلحة الوطنية ومصلحة خريجي الجامعات التونسية لا بد من التفكير في حلول مشتركة والاستئناس بآراء مختلف الأطراف المعنية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى لقائه منصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أول أمس قد اطلع على النتائج الأولية للاستشارة الوطنّية حول نظام التربية والتعليم التي شارك فيها أكثر من 580 ألف شخص.

ومن بين أبرز النتائج التي تضمّنها التقرير الأولي تمسّك التونسيين والتونسيات بالمدرسة العمومية وتطلّعهم إلى مزيد التمكّن من التكنولوجيات الحديثة، إلى جانب مطالبتهم بمزيد الأنشطة الفكرية والثقافية داخل المؤسسات التربوية وغيرها من المحاور الأخرى التي سيتم اعتمادها في مشروع القانون والمتعلقة بالتعليم بعد وضع القانون الذي سينظم المجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي نصّ على إنشائه الفصل المائة وخمسة وثلاثون من دستور 25 جويلية، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية.

كما تطرّق رئيس الجمهورية إلى «هجرة الكفاءات التونسية للخارج، فنخبة النخبة في تونس صارت تبحث عن الشغل في الخارج في كافة الاختصاصات من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، قطاع المهندسين الذي عرف هجرة أكثر من أربعين ألف مهندس في ظرف خمسة عشر سنة». «فمعدل الهجرة السنوي اليوم يفوق الستة آلاف، فهل أنّنا نحن الذين نقرض الدول التي اختارت الاستقرار فيها هذه الكفاءات؟ هل هم الذين يقرضوننا أم أننا نحن هم المقرضون؟» حسب ما جاء في البلاغ.

وأكّد رئيس الدولة «على أن بلادنا ليست ضد التعاون الفني، ولكن لو وجدت خيرة كفاءاتنا الظروف التي تسمح لها بالحياة الكريمة بتونس لما فكّر الكثيرون في الهجرة إلى الخارج».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

دعوة لبعث مجلس السيادة الغذائية : ضمانة ديمومة المنظومات الإنتاجية والحدّ من التبعية الغذائية

كشفت أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية -الأوكرانية عن هشاشة منظومات الإنتاج المحلية في تونس…